للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{سَبِيلاً} (١).ومعنى {(يَرْجُوا اللهَ)} أي يخاف الله ويخاف الآخرة، {وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (٦)؛أي من يعرض عن الإيمان ويوالي الكفار فإنّ الله هو الغنيّ عن خلقه، الحميد إلى أوليائه وأهل طاعته.

قال مقاتل: (فلمّا أمر الله المسلمين بعداوة الكفّار أظهروا لهم العداوة والبراءة امتثالا لأمر الله تعالى) (٢) فأنزل الله: {*عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ؛} أي كونوا على رجاء وطمع في أن يجعل الله بينكم وبين الذين عاديتم من المشركين، {مَوَدَّةً،} يعني من كفار مكّة.

ففعل الله ذلك بأن أسلم كثير منهم بعد الفتح، منهم أبو سفيان بن حرب؛ وأبو سفيان بن الحارث؛ والحارث بن هشام؛ وسهيل بن عمرو؛ وحكم بن حزام، وكانوا من رؤساء الكفّار والمعادين لأهل الإسلام، فصاروا لهم أولياء وإخوانا، فخالطوهم وناكحوهم، وتزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، فلان لهم أبو سفيان، فهذه المودّة التي جعلها الله تعالى بينهم، {وَاللهُ قَدِيرٌ؛} على أن يجعل بينكم المودّة، {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٧)؛بهم بعد ما تابوا وأسلموا.

قوله: {لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ} يعني أهل العهد الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال والمظاهرة، وهم خزاعة، {أَنْ تَبَرُّوهُمْ،} والمعنى: لا ينهاكم الله عن برّ الذين لم يقاتلوكم، وهذا يدلّ على جواز البرّ بأهل الذمّة وإن كانت الموالاة منقطعة.

ولذلك جوّز أبو حنيفة ومحمّد صرف صدقة الفطر والكفّارات والنّذور المطلقة إليهم، وأجمعوا على جواز صرف صدقة التطوّع إليهم، وأجمعوا على أنه لا يجوز صرف الزّكوات إليهم لقوله عليه السّلام: [أمرت أن آخذ الصّدقة من أغنيائكم وأردّها على فقرائكم] (٣).


(١) آل عمران ٩٧/.
(٢) قاله في التفسير: ج ٣ ص ٣٥٠.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة: الحديث (١٣٩٥).ومسلم في الصحيح: كتاب الايمان: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الاسلام: الحديث (١٢/ ٢٩).وأبو داود في السنن: كتاب الزكاة: باب في زكاة السائمة: الحديث (١٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>