للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {(أَنْ تَبَرُّوهُمْ)} في موضع خفض بدل من (الّذين) كأنّه قال عن أن تبرّوا الذين لم يقاتلوكم، وقوله تعالى: {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (٨)؛القسط إليهم أن نعطيهم قسطا من أموالنا على جهة البرّ، ويقال: أقسطت إلى الرجل اذا عاملته بالعدل، قال الزجّاج: (معناه: وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد) (١).

قوله تعالى: {إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} (٩)؛ يعني المحاربين من الكفّار، نهى الله أن يتصدّق عليهم، ونهى عن موالاتهم ومكاتباتهم. والمظاهرة: المعاونة للظّهور بها على العدوّ بالغلبة.

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا صالح قريشا يوم الحديبية على أن يردّ عليهم من جاءه من المسلمين، فلمّا هاجر إليه النّساء أبى الله أن يرجعن على المشركين وأمر بامتحانهنّ، وقوله تعالى {(فَامْتَحِنُوهُنَّ)} وذلك أن تستحلف المهاجرة ما هاجرت لحدث أحدثته، ولا خرجت عشقا لرجل من المسلمين ولا خرجت إلاّ رغبة في الإسلام.

قال ابن عبّاس: (صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفّار مكّة عام الحديبية على أنّ من أتاه من مكّة ردّه عليهم، ومن أتى مكّة من أصحابه فهو لهم، ولم يردّوه عليه، وكتب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك كتابا لهم وختم عليه، فلمّا ختم عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاءته سبيعة بنت الحارث الأسلميّة مسلمة.

فجاء زوجها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو كافر وقال: يا محمّد ردّها عليّ، فإنّك شرطت لنا ذلك عليك، وهذه طينة كتابنا لم تجفّ، فأنزل الله هذه الآية {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)} {اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ؛} فاستحلفها رسول الله


(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٥ ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>