للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ؛} أي ما أصاب أحدا في البدن والأهل والمال إلاّ بعلم الله وقضائه، {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ؛} أي من يصدّق بأنّ المصيبة من الله، {يَهْدِ قَلْبَهُ،} للرّضا والصبر، ويقال: يوفّقه للاسترجاع.

وقرأ السّلميّ: «(يهد قلبه)» على ما لم يسمّ فاعله، وقرأ طلحة بن مصرّف بالهمز والرفع في قوله (يهدئ قلبه) على معنى يسكن قلبه. {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (١٣).

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ؛} وذلك أنّ الرجل كان لا يستطيع أن يهاجر مع أزواجه وأولاده، وكان إذا أراد أن يهاجر بنفسه تعلّقت به امرأته وأولاده وقالوا له: إلى من تدعنا؟ ننشدك الله أن تجلس وتدع الهجرة، فأنزل الله هذه الآية بالمدينة، ينهاهم عن ذلك ويحذّرهم طاعة الأزواج والأولاد في معصية الله، وذلك قوله تعالى: {(إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ)}.

ودخول (من) هنا يدلّ على أنه ليس جميع الأزواج والأولاد عدوّا، وإنما منهم من يحبّ هلاككم ليرث مالكم، وأيّ عدوّ أعدى ممن يحبّ موتك لمنفعة نفسه، ومنهم من يحملوكم على أن تعصوا الله بأخذ غير الواجب، ويمنع الواجب لمنفعة ترجع إليهم، ومعنى قوله تعالى (فاحذروهم) أي فاحذروا أن تطيعوهم وتدعوا الهجرة.

قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١٤) وذلك أنّ الرجل كان إذا أراد الجهاد والهجرة عرض على امرأته وقرائبه إذا أبوا عليه أقسم أن لا ينفق عليهم، فإذا عاد كفّ عن النفقة ليمينه، فقيل لهم: {(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا)} أي وإن تعفوا عنهم وتجاوزوا عن صدّهم إياكم، وتغفروا ذنوبهم بعد ما رجعتم وبعد ما اجتمعتم في دار الهجرة، ولم تكافئوهم عن سوء ما فعلوه، {(فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)} يغفر لكم كذلك كثيرا من ذنوبكم.

وقيل: معنى الآية: إنّ الرجل من هؤلاء إذا رأى الناس قد سبقوه إلى الهجرة وتفقّهوا في الدّين همّ أن يعاقب زوجته وأولاده الذين يبطئونه عن الهجرة، وإن لحقوا

<<  <  ج: ص:  >  >>