للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَأَنّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ؛} أي ومنّا الجائرون الظّالمون، قال ابن عبّاس: (القاسطون هم الّذين جعلوا لله ندّا)،فالقاسط: هو العادل عن الحقّ، والمقسط: هو المعدل إلى الحقّ، ونظيره: ترب الرجل إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، فالأول هو الذي ذهب ماله حتى قعد على التّراب، والثاني كثر ماله حتى صار كالتّراب.

قوله تعالى: {فَمَنْ أَسْلَمَ؛} معناه: فمن أخلص بالتوحيد، {فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} (١٥)؛أي العادلون عن طريقة الإسلام، فأولئك بمنزلة الحطب في النار تشتعل النار في أبدانهم، إلى هنا كلام الجنّ وانقطع.

قوله تعالى: وألو {اِسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً} (١٦)؛ أوحى إلى أنه لو استقام أهل مكّة على طريقة الهدى، لوسّعنا عليهم أرزاقهم بالمطر والنبات والماء. والغدق: الكثير، قال مقاتل: (معناه: لأسقيناهم ماء كثيرا من السّماء بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين) ونظير هذا قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} (١)،وقوله تعالى: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} (٢)،ويقال: مكان غدق بكسر الدال إذا كان كثير النّداء، وعيش غدق أي واسع، والغدق بفتح الدال مصدر.

قوله تعالى: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ؛} أي لنتعبّدهم بالشّكر، وذهب الكلبيّ إلى أنّ معنى الآية لو استقاموا على طريقة الكفر والضّلال فكانوا كفّارا كلّهم لأعطيناهم ماء كثيرا ووسّعنا عليهم وأرغدنا عيشهم لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتنوا بهذا فنعذّبهم، قال عمر رضي الله عنه: (أين ما كان المال كانت الفتنة) (٣) ودليل هذا


(١) الأعراف ٦٠/.
(٢) المائدة ٦٦/.
(٣) نقله أيضا الثعلبي في الكشف والبيان: ج ١٠ ص ٥٣.والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٩ ص ١٨.وتمامه: (أينما كان المال كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة).

<<  <  ج: ص:  >  >>