وقد جاء بعد الصحابة التابعون، واشتهر بعضهم في الرواية عن الصحابة، عن الأربعة المذكورين وعن غيرهم، ومن أشهر هؤلاء التابعين مجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وسعيد بن جبير.
وقد اختلف العلماء في مقدار الثقة بهؤلاء المفسّرين من التابعين. فمجاهد أوثقهم وإن كان أقلّهم رواية، ويعتمد على تفسيره بعض الأئمة والمحدّثين، كالشافعيّ والبخاري. إلا أن بعضهم كان يرى أن مجاهدا يسأل أهل الكتاب، ومن هذه الناحية يتريّثون في أخذ أقواله، وإن كانوا متّفقين على صدقه. وكان كلّ من عطاء وسعيد ثقة صادقا لم يطعن أحد على أيّ منهما. أما عكرمة فإن أكثر العلماء يوثّقه ويصدّقه، والبخاري يروي له، ويرى آخرون أنه جرؤ على التفسير ويزعم أنه يعلم كلّ شيء في القرآن، وذلك لكثرة ما يرويه من التفسير للقرآن عن الصحابة.
وكان هؤلاء الأربعة أكثر من يروي عن ابن عبّاس، وهناك من يروي عن بقية الصحابة كمسروق بن الأجدع تلميذ عبد الله بن مسعود، وكان يروي عنه التفسير.
واشتهر كذلك في التفسير من التابعين قتادة بن دعامة السّدوس الأكمه (١)، وكان واسع الاطلاع في اللغة العربية ضليعا في الشّعر العربي وأيام العرب وأنسابهم.
وبعد أن انتهى عصر التابعين أخذ العلماء يؤلّفون كتب التفسير على طريقة خاصّة هي ذكر الآية ونقل ما روي في تفسيرها عن الصحابة والتابعين بالسند. وأشهر من قام بذلك سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وعبد الرزاق وغيرهم، إلا أن تفاسير هؤلاء العلماء لم تصل إلينا كاملة، وإنما وصل منها أقوال وردت في بعض كتب التفسير كتفسير الطبريّ. ثم جاء بعدهم الفرّاء ثم جاء الطبري، ثم تتابع علماء التفسير في كل عصر حتى عصرنا هذا.
(١) قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سدوس. أبو الخطّاب السّدوسي البصريّ ولد أكمه. ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب: الرقم (٥٧٠٦).