وهي الآيات المدنيّة غالبا، وخاصّة ما يتعلق منها بالمعاملات والعقوبات والبيّنات. كما أنّ في القرآن آيات متشابهة تشتبه معانيها على كثير من الناس، وخاصّة الآيات التي تحتمل عدّة معاني، أو يتحتّم صرفها عن المعنى الظاهر لها إلى معنى آخر لتناقضه مع العقيدة التّنزيهيّة، أي فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو مسائل القدر.
ومع أنّ الصحابة رضوان الله عليهم هم أقدر الناس على فهم القرآن لأنّهم من أعلم الناس بالعربية، ولأنّهم شاهدوا الظروف والوقائع التي نزل فيها القرآن، إلا أنّهم اختلفوا في الفهم وتفاوتوا في القدرة على تفسير القرآن حسب تفاوتهم في درجة اطّلاعهم على العربية، وحسب تفاوتهم في ملازمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وكان من أشهر المفسّرين من الصحابة رضي الله عنهم جميعا عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وهؤلاء الأربعة أكثر من غذى التفسير في الأمصار الإسلامية المختلفة. والذي مكّن هؤلاء من التبحّر في التفسير قوّتهم في اللغة العربية وإحاطتهم بمناحيها وأساليبها ومخالطتهم للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وملازمتهم له ملازمة مكّنتهم من معرفة الحوادث التي نزلت فيها آيات القرآن وقوّة عقلهم وذكائهم قوة مكّنتهم من ربط المعاني ببعضها أحسن ربط، والخروج بالنتائج الصائبة. ولذلك لم يتحرّجوا عن الاجتهاد في فهم القرآن حسب ما يقتضيه عقلهم، بل اجتهدوا في التفسير، وقالوا فيه برأيهم، وقرّروا ما أدّاهم إليه فهمهم واجتهادهم. ولذلك يعتبر تفسير هؤلاء من أعلى أنواع التفسير. إلا أنه قد كذب عليهم كثيرا، وأدخلت على تفسيرهم أقوال لم يقولوها، ولذلك تجد في تفسيرهم الكثير من الموضوع، وما صحّ عن هؤلاء من التّفاسير برواية الثّقات هو من أقوى التّفاسير. أما ما عداه من الموضوعات فلا يجوز أن يؤخذ إذا لم يثبت أنّهم قالوه. إلا أنه ليس معنى التحذير من أخذ تفسير هؤلاء الأربعة الموضوع هو التحذير من قراءة تفاسيرهم، بل هو تحذير من أخذها والعمل بها باعتبار أنّ هذه الموضوعات لهم. أما قراءتها وتحكيم الفهم الصحيح لغة وشرعا وعقلا بما جاء بها فهو أمر مفيد، لأن في هذه الروايات الموضوعة تفاسير قيّمة من حيث الفهم، وإن كانت ضعيفة السّند من حيث نسبته إلى الصحابة.