للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرآن الكريم وردت فيه ألفاظ ملتزمة لا يمكن أن يؤدّى المعنى بدونها، فقوله تعالى: {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى} (١) فإن كلمة ضيزى هنا لا يمكن أن تؤدّي معناها أيّة كلمة مرادفة أو مقاربة، لا قسمة ظالمة، ولا جائرة، ولا غير ذلك مما هو في معناها.

وقوله تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (٢) فإن كلمة الحمير لا يمكن أداء المعنى بغيرها، ومن أجل ذلك روعي لفظها في التركيب محافظة على المعنى.

هذا من حيث المحافظة على التعبير بنفس اللفظ أو عدم المحافظة. أما من حيث المحافظة على المعنى الإفرادي بتبيانه أو عدم المحافظة، فإن من معهود العرب أن يكون الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم، بناء على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني، وإنما اصطلحت الألفاظ من أجلها. إلا أنه إذا كان مقصود الجملة المعنى الإفرادي فيجب أن توجّه العناية إلى معنى المفردات مع معاني الجملة، وإذا كان مقصود الجملة المعنى التركيبي، فإنه يكتفى بالمعنى الإفرادي لئلا يفسد على القارئ فهم المعنى التركيبي للجملة. وقد جاء القرآن الكريم على هذا المعهود، وسار عليه في مختلف الآيات. ولذلك قال عمر بن الخطاب حين سئل عن معنى قوله تعالى:

{وَفاكِهَةً وَأَبًّا} نهينا عن التّكلّف والتّعمّق، عن أنس قال: كنا عند عمر فقال: [نهينا عن التّكلّف] (٣)،أي في المعنى الإفرادي في مثل هذه الجملة المراد منها المعنى التركيبي.

إلا أنه إذا كان المعنى الإفرادي يتوقف عليه المعنى التركيبي فيجب بذل العناية للمعنى الإفرادي.

ولهذا نجد عمر بن الخطاب نفسه سأل وهو على المنبر عن المعنى الإفرادي لكلمة التخوّف حين قرأ {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} فقال له رجل من هذيل التخوّف عندنا التنقّص وأنشده:

تخوّف الرّحل منها تامكا قردا ... كما تخوّف عود النّبعة السّفن


(١) النجم ٢٢/.
(٢) لقمان ١٩/.
(٣) عبس ٣١/،أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: الحديث (٧٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>