للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والسّفن: الحديدة التي يبرد بها خشب القوس، والقرد: الكثير القردان، والتّامك: العظيم السّنام: أي أن الرحل تنقص الناقة وتبرد ظهرها كما تنقص الحديدة خشب القسي).

وحين أنشد الهذيلي بيت الشعر وفسّر لعمر التخوّف قال عمر (أيّها النّاس تمسّكوا بديوان شعركم في جاهليّتكم فإنّ فيه تفسير كتابكم) (١).

وفوق ذلك فإن القرآن يراعي عند الكلام تعبيرات يقصد منها مراعاة الأدب العالي، فإنه أتى بالنداء من الله تعالى للعباد، ومن العباد لله تعالى، إما حكاية وإما تعليما. فحين أتى بالنداء من قبل الله للعباد جاء بحرف النداء المقتضي للبعد ثابتا غير محذوف ليشعر العبد ببعده كقوله تعالى: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ} (٢) {*قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} (٣) {قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (٤) {يا أَيُّهَا النّاسُ} {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (٥).

هذا بالنسبة لنداء الله للعباد. أما بالنسبة لنداء العباد لله فقد أتى بالنداء مجرّدا من الياء كقوله تعالى: {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} (٦) {رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ} (٧) {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا} (٨) {قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ} (٩) فهذه كلّها مجردة من الياء المشعرة بالبعد ليشعر العبد أن الله قريب منه ولأن الياء تفيد التنبيه فالعبد في حاجة


(١) النحل ٤٧/؛ ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ج ١٠ ص ١١٠ - ١١١ وجامع البيان في تفسير القرآن: ج ٨ ص ١٥٠:النص (١٦٣٣٠ و ١٦٣٣١).التامك (تمك) السنام يتمك ويتمك تمكا وتموكا؛ أي طال وارتفع. والقرد: المتراكم بعضه فوق بعض من السمن. والنبعة: شجرة من أشجار الجبال يتخذ منها القسيّ. والسّفن كما قال: ما ينجر به من الخشب. وللشاهد من الشعر ألفاظ مكان (الرّحل) عند القرطبي (الرّجل) وعند الطبري (السّير).
(٢) العنكبوت ٥٦/.
(٣) الزمر ٥٣/.
(٤) الأعراف ١٥٨/.
(٥) النساء ٢٩/ وفي غيرها كثير.
(٦) البقرة ٢٨٦/.
(٧) آل عمران ١٩٣/.
(٨) آل عمران ٨/.
(٩) المائدة ١١٤/.

<<  <  ج: ص:  >  >>