للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من ناحية المعاني فإن الذي يبيّنها هو الرسول بصريح القرآن، وليس التوراة والإنجيل. ولذلك لا سبيل إلى التوراة والإنجيل في فهم معاني القرآن، لأن الله أمرنا بالرجوع إلى الرسول، وبيّن لنا أن الرسول بيّن القرآن، ولم يأمرنا بالرجوع إلى التوراة والإنجيل. فلا يجوز أن نرجع إلى التوراة والإنجيل لفهم قصص القرآن وأخبار الأمم الماضية.

وكذلك لا سبيل إلى غير التوراة والإنجيل من كتب التاريخ وغيرها، لأن الموضوع ليس شرح قصّة يقال إن هذا مصدر أوسع على فرض صدقه، وإنما الموضوع هو شرح نصوص معيّنة نعتقد أنّها كلام رب العالمين. فيجب الوقوف عند مدلولات هذه النصوص من حيث اللغة التي جاءت بها وما تقتضيه هذه اللغة، ومن حيث الاصطلاح الشرعي من صاحب الاصطلاح، وهو الرسول الذي قال الله إنّ القرآن أنزل عليه ليبيّنه هو للناس. ومن هنا يجب أن ينفى من التفسير كلّ قول جاء من التوراة أو الإنجيل أو كتب التاريخ وغيرها. ويكون من الافتراء على الله أن نزعم أن هذه هي معاني كلام الله ولا توجد شبهة دليل أن لها علاقة بمعاني كلام رب العالمين.

وأما ما يزعمه الكثير من الناس قديما وحديثا من أنّ القرآن يحوي العلوم والصناعات والاختراعات وأمثالها، فيضيفون إلى القرآن كلّ علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين، من علوم الطبيعيات والكيمياء، والمنطق، وغير ذلك، فإنه لا أصل له، وواقع القرآن يكذّبهم. فإن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا. وكلّ آياته إنما هي أفكار للدلالة على عظمة الله، وأحكام لمعالجة أعمال العباد.

وأما ما حدث من العلوم فإنه لم ترد فيه لا آية، ولا جزء آية، فضلا عن آيات فيها أدنى دلالة على أيّ علم من العلوم. وما ورد فيه مما يمكن أن يطبق على نظريات أو حقائق علمية، كآية: {اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً} (١) الآية فإنما جاء للدلالة على قدرة الله، لا لإثبات النواحي العلمية. وأما قوله تعالى: {وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (٢) فالمراد منه لكلّ شيء من التكاليف والتعبّد


(١) الروم ٤٨/.
(٢) النحل ٨٩/.

<<  <  ج: ص:  >  >>