(يختانون أنفسهم) وإن كانوا خانوا غيرهم؛ لأن مضرّة خيانتهم راجعة إليهم، كما يقال: فمن ظلم غيره ما ظلم إلاّ نفسه، وإنّما قال: {(خَوّاناً)} ولم يقل خائنا لعظيم أمر الخيانة.
قوله تعالى:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ؛} معناه: يستخفي قوم طعمة؛ أي يسرّون من الناس وهم يعلمون أنه سارق ولا يستترون من الله؛ أي لا يمكنهم الاستخفاء منه، فإنّ سرّهم وعلانيتهم عند الله ظاهر.
قوله تعالى: {(وَهُوَ مَعَهُمْ)} وهو شاهد لأفعالهم {(إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ)} أي يدبرون، ويقولون بالليل قولا لا يرضاه الله؛ وهو اتّفاق قول طعمة على أن يرموا اليهوديّ. وقوله تعالى:{وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً}(١٠٨)؛أي عالما لا يفوته شيء كما لا يفوت المحيط بالشيء.
قوله عزّ وجلّ:{ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ؛} وذلك أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يقطع طعمة في السرقة بعد هذه الآيات؛ فجاء قومه شاكّين في السّلاح فجادلوا عنه وهربوا به، فأنزل الله هذه الآية، ومعناها: ها أنتم يا قوم طعمة خاصمتم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن طعمة وعن خيانته في دار الدّنيا.
وفي قراءة أبيّ: «(جادلتم عنه فمن يجادل الله عالم الغيب والشّهادة يوم القيامة إذا أخذه بعذابه وأدخله النّار)»؛ {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}(١٠٩)؛ يتوكّل بهم ويصلح أمرهم ويحفظهم من عذاب الله.
قوله عزّ وجلّ:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؛} أي ومن يعمل سوءا «ويرمي»(١) به غيره نحو السّرقة والقتل والقذف، أو أنه يظلم نفسه نحو الكذب