للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الآخرة إلى ما تولّى. قيل: ونتركه إلى ما اختار لنفسه في الدّنيا؛ أي لا يتولّى الله نصره ولا معونته، {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ؛} أي ونلزمه دخول جهنّم في الآخرة، {وَساءَتْ؛} جهنّم؛ {مَصِيراً} (١١٥)؛أي لمن صار اليها.

فلم يتب طعمة ولم يندم، وأقام على كفره، ثمّ إنّه نقب بيت رجل من بني سليم من أهل مكّة؛ فسقط عليه حجر فنشب فيه، فلم يستطع أن يدخل ولا يخرج حتّى أصبح؛ فأخذه ليقتله، فقال بعضهم: دعوه؛ فإنّه قد لجأ إليكم وتحرّم بكم فاتركوه؛ فأخرجوه من مكّة، فخرج مع قوم من التّجّار نحو الشّام؛ فنزلوا منزلا فسرق بعض متاعهم وهرب، فطلبوه فوجدوه؛ فرموه بالحجارة حتّى قتلوه؛ فصار قبره تلك الحجارة.

قوله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ؛} قال ابن عبّاس: (نزلت هذه الآية في وحشيّ قاتل حمزة رضي الله عنه).والمعنى:

إنّ الله لا يغفر شرك المشرك به إن مات بغير توبة؛ ويغفر ما دون الشّرك لمن يشاء من أهل الإسلام من غير توبة.

وقال الضحّاك عن ابن عبّاس: (إنّ شيخا من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيّ الله؛ إنّي شيخ منهمك في الذّنوب والخطايا؛ إلاّ أنّي لا أشرك به شيئا مذ عرفته وآمنت به؛ ولم أتّخذ من دونه وليّا، ولم أقع على المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له، ولا توهّمت طرفة عين أن أعجز الله هربا، إنّي لنادم تائب مستغفر، فما لي عند الله؟.فأنزل الله هذه الآية {(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)} (١). {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} (١١٦)؛أي فقد ذهب عن الصواب والهدى ذهابا بعيدا، وحرم الخير كلّه.

والفائدة في قوله {(بَعِيداً)} أنّ الذهاب عن الجنّة على مراتب أبعدها الشّرك بالله تعالى.


(١) الجامع لأحكام القرآن: ج ٥ ص ٣٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>