للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا؛} معناه: ولا تتّبعوا الهوى لتعدلوا، وهذا كما يقال: لا تتّبع الهوى لرضى ربك. ويقال: معناه: لا تتّبعوا أن لا تعدلوا، ويقال: كراهة أن تعدلوا، وهذا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (١) ويقال: معنى تعدلوا: تميلوا من الحقّ إلى الهوى.

قوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا؛} من قرأ «(تلووا)» بواوين فمعناه:

أن تماطلوا في إقامة الشّهادة وتقلّبوا اللسان لتفسدوا الشهادة، أو تعرضوا عن إقامة الشّهادة مأخوذ من لوى فلان في دينه؛ أي دافع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: [ليّ الواجد ظلم] (٢).والمعنى: {(إِنْ تَلْوُوا)} اللّسان لتحرّفوا الشهادة لتبطلوا الحقّ، وتعرضوا عنها فتكتموها ولا تقيموها عند الحكّام، {فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ،} من إقامتها وكتمانها، {خَبِيراً} (١٣٥).

ومن قرأ «(تلوا)» بواو واحدة فهو من الولاية، معناه: إن أقمتم الشهادة وأعرضتم، وعن ابن عبّاس: (أنّ المراد بالآية: القاضي؛ يتقدّم إليه الخصمان، فيعرض عن أحدهما ويدافع في إمضاء الحقّ؛ أو لا يسوّي بينهما في المجلس والنّظر والإشارة) (٣).ولا يمنع أن يكون المراد بالآية القاضي والشاهد وعامّة الناس؛ لاحتمال اللّفظ للجميع.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عند نزول هذه الآية: [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقم شهادته على من كانت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجحد حقّا هو عليه؛ وليؤدّيه عفوا ولا يلجئوه إلى سلطان وخصومة فليقطع بها حقّه. وأيّما رجل خاصم إليّ فقضيت له على أخيه بحقّ ليس عليه فلا يأخذ به؛ فإنّما أقطع له قطعة من نار جهنّم] (٤).


(١) النساء ١٧٦/.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: البيوع: باب مطل الغني: الحديث (١٥٣٥٥ و ١٥٣٥٦). والبخاري في الصحيح: كتاب الحوالة: الحديث (٢٢٨٧).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٨٤٠٩).وفي الدر المنثور: ج ٢ ص ٧١٤؛قال السيوطي: «أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس».
(٤) ذكره الثعلبي في الكشف والبيان: ج ٣ ص ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>