للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عزّ وجلّ: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ؛} أي قد نزّل عليكم في القرآن سورة الأنعام بمكّة أن إذا سمعتم آيات الله يجحد بها، ويسخر منها فلا تجلسوا معهم حتّى يكون خوضهم في حديث غير القرآن، وأراد بذلك المذكور في الأنعام قوله تعالى: {وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (١).

قوله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ؛} أي من جالسهم راضيا بما هم عليه من الكفر والاستهزاء بآيات الله فهو مثلهم في الكفر؛ لأن الرّضا بالكفر والاستهزاء كفر، ومن جلس معهم ساخطا لذلك منهم لم يكفر، ولكنه يكون عاصيا بالقعود معهم؛ فيكون معنى قوله تعالى: {(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ)} أي في أصل العصيان وإن لم تبلغ معصية المؤمنين معصية الكفّار، إذا لم يكن جلوس المؤمنين معهم لإقامة فرض أو سنّة، أما إذا كان جلوسه هنالك لإقامة عبادة وهو ساخط لتلك الحال لا يقدر على تغييرها، فلا بأس بالجلوس. كما روي عن الحسن: (أنّه حضر هو وابن سيرين جنازة وهناك نوح (٢)؛فانصرف ابن سيرين؛ فذكر ذلك للحسن فقال: إنّا كنّا متى رأينا باطلا تركنا حقّا؛ أشرع ذلك في ديننا!).

قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} (١٤٠)؛ أي يجمعهم في جهنّم مجازاة لهم لاجتماعهم في الدّنيا للاستهزاء، فمن شاء لا يكون معهم في جهنّم فلا يكون معهم في الدّنيا.


(١) الأنعام ٦٨/.
(٢) نوح بن أبي مريم، واسمه ماقبة، ويعرف بنوح الجامع، كان أبوه مجوسيا، وإنما سمي الجامع؛ لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحديث عن أرطأة وطبقته، والمغازي عن ابن إسحاق، والتفسير عن الكلبي ومقاتل، وكان مع ذلك عالما بأمور الدنيا، فسمي الجامع. وأدرك الزهري وابن المنكدر، وكان يدلس عنهما، واستقضى على مرو وأبو حنيفة حيّ. نقل ابن حجر في ترجمته (٧٤٩٠) قال: إنه لم يوثقه أحد. وفي الكامل في ضعفاء الرجال: ج ٨ ص ٢٩٢: الترجمة (١٩٧٥/ ٢٢)؛قال ابن عدي: «سئل ابن المبارك عن نوح بن أبي مريم فقال: هو يقول: لا إله إلا الله».

<<  <  ج: ص:  >  >>