للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ؛} أي وما قتلوا عيسى وما صلبوه ولكن ألقى الله على طيطانوس شبه عيسى فقتلوه؛ ورفع عيسى إلى السّماء. قال الحسن: (إنّ عيسى عليه السّلام قال للحواريّين: أيّكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل فيدخل الجنّة؛ فقام رجل من الحواريّين فقال: أنا يا رسول الله، فألقى الله عليه شبه عيسى؛ فقتل وصلب، ورفع الله عيسى إلى السّماء) (١).

قوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ؛} أي من قتله، قال الكلبيّ: (اختلافهم فيه: أنّ اليهود قالوا: نحن قتلناه وصلبناه، وقال طائفة من النّصارى: بل نحن قتلناه وصلبناه، فما قتله هؤلاء ولا هؤلاء، بل رفعه الله إليه إلى السّماء).

ويقال: إنّ الله تعالى لمّا ألقى شبه عيسى على طيطيانوس ألقاه على وجهه دون جسده، فلمّا قتلوا طيطيانوس؛ نظروا إليه فإذا وجهه وجه عيسى وجسده غير جسد عيسى، فقالوا: إن كان هذا عيسى، فأين صاحبنا؟ وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ فقال الله تعالى: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً} (١٥٧)؛نعت كمصدر محذوف تقديره: وما علموه علما يقينا.

قوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ؛} أي بل رفعه الله إلى السّماء، وإنّما سمّى ذلك رفعا إليه؛ لأنه رفع إلى موضع لا يملك فيه أحد شيئا إلاّ (الله). قوله عزّ وجلّ: {وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} (١٥٨)؛قد ذكرنا معناه غير مرّة، وفائدة ذكره هاهنا: بيان قدرة الله سبحانه وتعالى على نجاة من يشاء، وبيان حكمته فيما فعل ويفعل وحكم ويحكم، فلما رفع الله عيسى عليه السّلام كساه الرّيش وألبسه النور وقطع عنه شهوات المطعم والمشرب وطار مع الملائكة؛ فهو معهم حول العرش فكأنه إنسيّا ملكيا سماويّا أرضيّا. قال وهب بن منبه: (يبعث عيسى على رأس ثلاثين سنة، ورفعه الله وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وكانت نبوّته ثلاث سنين).


(١) في الدر المنثور: ج ٢ ص ٧٢٨؛ قال السيوطي: «أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة». في جامع البيان: النص (٨٤٨٦) عن قتادة بإسنادين.

<<  <  ج: ص:  >  >>