للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه الآية بين يدي الرّشيد وقال: إن كان قوله {رُوحٌ مِنْهُ} يوجب أن يكون عيسى بعضا منه؛ وجب أن يكون ما في السّماوات وما في الأرض بعضا منه.

فانقطع النّصرانيّ وأسلم؛ وفرح الرّشيد فرحا شديدا، ووصل عليّ بن الحسين بصلة جيّدة. فلمّا عاد عليّ بن الحسين إلى مرو؛ صنّف كتابا سمّاه (كتاب النّظائر في القرآن) وهو كتاب لا يوازيه كتاب.

قوله عزّ وجلّ: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ؛} أي صدّقوا بوحدانيّة الله بما جاءكم به الرّسل من الله؛ {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ؛} أي تقولوا آلهتنا ثلاثة: أب؛ وابن؛ وروح قدس، {اِنْتَهُوا؛} عن الكفر، عن هذه المقالة، وتوبوا إلى الله هو؛ {خَيْراً لَكُمْ؛} من الإصرار على الكفر.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ؛} أي ما الله إلاّ إله واحد؛ {سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ؛} كلمة تنزيه عن السّوء؛ أي تنزيها له أن يكون له ولد؛ {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ؛} كلّهم عبيده وإماؤه وفي قبضته؛ ويستحيل أن يكون المملوك ابنا للمالك؛ أي لا يجتمع الملك مع الولادة، ونظير هذا قوله تعالى: {وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} (١).قوله تعالى: {وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً} (١٧١)؛أي اكتفوا بربوبيّته وبكفالته، فلا ولد له ولا شريك؛ سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.

قوله عزّ وجلّ: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ؛} نزل في وفد نجران؛ ناظروا النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى، فقال لهم: [هو عبد الله ورسوله].فقالوا: لا تقل هكذا؛ فإنّ عيسى يأنف من هذا القول؛ فنزل تكذيبا لقولهم: {(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ)} (٢) أي لن يأنف، ولن يتعظّم عن الإقرار والعبوديّة لله عزّ وجلّ، {(وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)} أي ولن يستنكف الملائكة المقرّبون عن العبوديّة وهم حملة العرش. وإنّما خصّ الملائكة بعد عيسى؛ لأن


(١) مريم ٩٢/-٩٣.
(٢) في أسباب النزول للواحدي: ص ١٢٥ نقله عن الكلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>