للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأرواح أضافه الله إليه تشريفا له، كما يقال: بيت الله. وقال السّدّيّ: (معناه {(وَرُوحٌ مِنْهُ)} أي مخلوق منه؛ أي من عنده).

وقيل: معناه: ورحمة منه؛ أي جعله الله رحمة لمن آمن به، يدلّ عليه قوله تعالى:

{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (١) أي قوّاهم برحمة منه. وقيل: الرّوح: الوحي؛ أوحى إلى مريم بالبشارة، وأوحى إلى جبريل بالنّفخ، وأوحى إليه أن كن؛ فكان، يدلّ عليه قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ} (٢) أي بالوحي، {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا} (٣) أي وحيا.

وروي: أنّه كان لهارون الرّشيد طبيب نصرانيّ، وكان غلاما حسن الوجه جدّا، وكان كامل الأدب جامعا للخصال الّتي يتوسّل بها إلى الملك، وكان الرّشيد مولعا بأن يسلم وهو يمتنع، وكان الرّشيد يمنّيه الأمانيّ إن أسلم، فقال له ذات يوم: ما لك لا تؤمن؟ قال: إنّ في كتابكم حجّة على من انتحله، قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {(وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)} فعبّر بهذا أنّ عيسى جزء منه.

فضاق قلب الرّشيد، وجمع العلماء فلم يكن فيهم من يزيل شبهته حتّى قيل له: قد وفد حجّاج خراسان وفيهم رجل يقال له عليّ بن الحسين بن واقد من أهل مرو؛ وهو إمام في علم القرآن؛ فدعاه؛ فجمع بينه وبين الغلام، فسأله الغلام عن ذلك، فاستعجم عليه الجواب في الوقت، وقال: قد علم الله؛ يا أمير المؤمنين؛ في سابق علمه أنّ الخبيث يسألني في مجلسك عن هذا؛ وأنّه لم يخل كتابه من جوابه، وأنّه ليس يحضرني الآن، ولله عليّ أن لا أطعم ولا أشرب حتّى أؤدّي الّذي يجب من الحقّ إن شاء الله.

ودخل بيته مظلما؛ وأغلق عليه بابه؛ واندفع في قراءة القرآن؛ حتّى بلغ سورة الجاثية إلى قوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} (٤) فصاح بأعلى صوته: افتحوا الباب؛ فقد وجدت الجواب، ففتحوا ودعا الغلام؛ فقرأ


(١) المجادلة ٢٢/.
(٢) النحل ٢/.
(٣) الشورى ٥٢/.
(٤) الآية ١٣/.

<<  <  ج: ص:  >  >>