قوله تعالى:{وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؛} أي إن تكفروا يعاقبكم الله، فإنّ لله ما في السّماوات والأرض. وقيل: إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عنكم، لكونه مالك السّماوات والأرض، {وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً}(١٧٠)؛أي لم يزل عليما بخلقه، بمن يؤمن وبمن لا يؤمن، حكيما في أمره، حكم بالإسلام على عباده.
قوله تعالى:{يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ؛} نزلت في نصارى نجران وهم: النّسطوريّة: الذين يقولون عيسى ابن الله، والماريعقوبيّة: الذين يقولون عيسى هو الله، والمرقوسيّة: الذين يقولون ثالث ثلاثة؛ ويقال هم الملكانيّة. ومعنى الآية: يا أهل الكتاب لا تجاوزوا الحدّ في الدين فتغيّروا فيه. والغلوّ في الدين: مجاوزة الحدّ فيه، وقد غلت النصارى في أمر عيسى حتى جاوزوا به منزلة الأنبياء فجعلوه إلها.
ويقال: إنّ الآية خطاب لليهود والنصارى؛ لأنّ اليهود أيضا غلوا في أمر عيسى حتى جاوزوا به منزلة من ولد على غير الطّهارة فجعلوه لغير رشده. قوله تعالى:
{(وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ)} أي لا تصفوا الله إلاّ بالحقّ، والحقّ أن يقال: إله واحد لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، وينزّهه عن القبائح والنّقائص وعن جميع صفات المحدثين.
قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ؛} أي ليس المسيح إلاّ رسول الله؛ لأن {(إِنَّمَا)} تقتضي تحقيق المذكور وتمحيق ما سواه، كقوله تعالى: {(إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)،} وفي قوله: {(عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)} بيان أنه لا يجوز أن يكون إلها؛ أي كيف يكون إلها وهو ابن مريم أمة الله؟ وكيف يكون إلها وأمه قبله. قوله تعالى:
{وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ؛} أي إنه كان بكلمته عزّ وجلّ وهو قوله: (كن) فكان.
قوله تعالى:{وَرُوحٌ مِنْهُ؛} قال ابن عبّاس: (معناه: أمر من الله عزّ وجلّ؛ أتاها جبريل بأمر الله فنفخ في جيب درعها؛ فدخلت تلك النّفخة بطنها؛ فخلق الله عيسى بنفخة جبريل عليه السّلام).والنّفخ في اللغة: يسمّى روحا. وقيل: سمّاه الله تعالى روحا؛ لأنه كان يحيي به الناس في الدين كما يحيون بالأرواح. وقيل: لأنه روح من