وأمّا قوله تعالى: {(ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ)} قال ابن عبّاس: (هي أرض بيت المقدس).ويقال: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردنّ، وسميت (المقدّسة)؛لأنّها طهّرت من الشّرك، وجعلت مسكنا وقرارا للأنبياء صلوات الله عليهم.
قوله تعالى: {(الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)} أي أمركم بدخولها. وقيل: التي كتب الله لكم في اللّوح المحفوظ أنّها لكم مساكن، ويقال: التي وهب الله لأبيكم إبراهيم عليه السّلام، وجعلها ميراثا لكم، وذلك أنّ إبراهيم حين ارتفع على الجبل، قيل له: انظر؛ فلك ما أدرك بصرك وهو ميراث لولدك من بعدك.
وقوله تعالى:{وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ}(٢١)؛أي لا ترجعوا وراءكم وتجبنوا من عدوّكم منهزمين منهم فتنصرفوا مغبونين بفوت الظّفر في الدّنيا والعقوبة في الآخرة.
قوله تعالى:{قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ؛} أي قالت بنو إسرائيل: يا موسى إنّ فيها قوما عظماء قتّالين، {وَإِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ}(٢٢)؛حينئذ.
قوله تعالى:{قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ؛} أي قال يوشع وكالب من الاثني عشر الذين أرسلهم موسى إلى قرية الجبّارين، وكانوا يخافون الجبّارين، {أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا؛} أي هداهما لقبول أمره ومعرفة صدق وعده:
{اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ؛} أي باب قرية الجبّارين وهي أريحا، {فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ؛} أي فإذا دخلتم ذلك الباب؛ {فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ؛} عليهم؛ لأنّهم اذا رأوا كثرتكم انكسرت قلوبهم فتغلبوهم، {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا؛} أي فوّضوا أمركم إليه، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(٢٣)؛أي مصدّقين بوعد الله.
وفي الآية ثناء على الرّجلين إذ لم يمنعهما الخوف من العدوّ عن قول الحقّ.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:[لا يمنعنّ أحدكم مخافة النّاس أن يقول الحقّ إذا رآه أو عمله، فإنّه لا يبعد من رزق الله ولا يدني من أجل](١).
(١) الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أخرجه الطبراني في الأوسط: الحديث (٢٨٢٥ و ٤٩٠٣). وابن حبان في الإحسان: الحديث (٢٧٥ و ٢٧٨) بإسناد صحيح.