للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقالة قومه، وكان رجلا حديدا فقال: (رب إنّي لا أملك إلاّ نفسي) ولا أملك إلاّ أخي، يعني لا يطيعني من هؤلاء إلاّ أخي هارون، (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) أي اقض والفصل بيننا وبين القوم العاصين.

وكانت عجلة عجّلها موسى عليه السّلام، فأوحى الله إلى موسى: إلى متى يعصيني هذا الشعب وإلى متى لا يصدّقون بالآيات، لأهلكنّهم واجعلنّ لك شعبا أشدّ وأكثر منهم. فقال: إلهي لو أنّك أهلكت هذا الشّعب من أجل أنّهم لن يستطيعوا أن يدخلوا هذه الأرض فتقتلهم في البرّيّة وأنت عظيم عفوك كثير نعمتك وأنت تغفر الذنوب، فاغفر لهم.

فقال الله تعالى: قد غفرت لهم بكلمتك، ولكن بعد ما سمّيتهم فاسقين، ودعوت عليهم في عجلة لأحرّمنّ عليهم دخول الأرض المقدّسة، فذلك قوله:

{قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ؛} يتحيّرون؛ {فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ} (٢٦).

وقيل: إنّ قولهم لموسى: (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) كان سؤالا منه الفرق في الحقيقة دون القضاء، وكان دعاؤه منصرفا إلى الآخرة؛ أي أدخلنا الجنّة إذا أدخلتهم النار، ولم يعن بذلك في الدّنيا؛ لأنه لو عنى ذلك لأجاب الله تعالى دعاءه وأهلكهم جميعا؛ لأنّ دعاء الأنبياء لا يردّ من أجل أنّهم يدعون بأمر الله تعالى.

ويقال: كان هذا دعاء راجعا إلى الدّنيا، وقد أجاب الله تعالى دعاءه؛ لأنّه عاقب قومه في التّيه، ولم يكن موسى وهارون محبوسين في التّيه؛ لأن الأنبياء عليهم السّلام لا يعذبون. قال الحسن: (لا يجوز أن يكون موسى معهم فيها لا حيّا ولا ميّتا، ولا يجوز إذا عذب الله بنبيّ إلاّ أن ينجّي ذلك النّبيّ ومن آمن معه).ويقال: إنّ هذا الدّعاء كان من موسى عليه السّلام عند الغضب؛ لأنه عنى به الحقيقة، ألا ترى أنه ندم على دعائه وجزع من تحريم قرية الجبارين عليهم جزعا شديدا حتى قيل له: لا تأس على القوم الفاسقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>