للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان هابيل صاحب غنم، وقابيل صاحب حرث، فقرّب هابيل كبشا سمينا ولبنا وزبدا، وقرّب قابيل سنبلا من شرّ زرعه، وأضمر في قلبه ما أبالي أتقبل منّي أم لا، لا يتزوّج أختي أبدا، وأضمر هابيل في نفسه الرّضا لله عزّ وجلّ. فوضعا قربانهما على الجبل، فنزلت نار من السّماء فما أكلت شيئا من السّنبل بعد، ثمّ أكلت الكبش واللّبن والزّبد، فذلك قوله تعالى {(فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ)} (١).

فنزلوا الجبل وتفرّقوا، وكان آدم عليه السّلام معهم، فذهب هابيل إلى غنمه، وقابيل إلى زرعه غضبان وأظهر الحسد لهابيل، وقال: يا هابيل لأقتلنّك! قال: وذلك لأنّ الله تعالى تقبّل قربانك وردّ عليّ قرباني، وتنكح أختي الحسنة، وأنكح أختك القبيحة، فيحدّث النّاس أنّك خير منّي. {قالَ؛} هابيل: ما ذنبي في ذلك؟!) (٢).

{إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (٢٧)؛أي من الزّاكية قلوبهم الذين يخافون على حسناتهم أن لا تقبل، ولم تكن أنت زاكي القلب، فردّ الله قربانك حيث نيّتك.

وقيل: أراد بالمتّقين الذين يتّقون الشّرك. قال ابن عبّاس: (كان قابيل كافرا) وفي أكثر الرّوايات أنّه كان رجل سوء. قال الحسن: (كان الرّجل إذا أراد أن يقرّب القربان؛ تعبّد وتاب وتطهّر من الذّنوب ولبس الثّياب البيض، ثمّ قرّب وقام يدعو الله، فإن قبل الله قربانه جاءت النّار فأكلته، وذلك علامة القبول، وإن لم تجئ نار فذلك علامة الرّدّ).

قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ؛} أي قال هابيل مجيبا لقابيل: لئن مددت يدك إلى القتل ظلما ما أنا بالّذي أمدّ يدي إليك لأقتلك ظلما، قال قابيل: ولم ذلك؟ قال: {إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ} (٢٨)؛بقتلك ظلما.

واختلف العلماء في وقت مولد قابيل وهابيل، قال بعضهم: غشي آدم حوّاء بعد ما هبط إلى الأرض بمائة سنة، فولدت له قابيل وتوأمته في بطن، ثم بعد ذلك


(١) ينظر التعليق قبله.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٩١٧٧) مختصرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>