للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن ابن عباس قال: (لمّا قتل قابيل هابيل رجع إلى أبيه قبل أن يدفنه، فلمّا أبطأ هابيل قال آدم عليه السّلام: يا قابيل أين أخوك؟ قال: ما رأيته؛ وكأنّني به أرسل غنمه في زرعي فأفسده، فلعلّه خاف أن يجيء من أجل ذلك، قال: وحسّت نفس آدم، فبات ليلته تلك محزونا، فلمّا أصبح قابيل غدا إلى ذلك الموضع، فإذا هو بغراب يبحث في الأرض على غراب ميّت ليواريه) (١).

وقيل: بعث الله الغراب إكراما لهابيل، وكان الغراب يحثي التراب على هابيل ليري قابيل كيف يواريه؛ أي كيف يغطّي عورته. وفي الخبر: أنّه لمّا قتله سلبه ثيابه، وتركه عريانا. وقيل: أراد بالسّوءة جسد المقتول، سماه سوأة لأنه لمّا بقي على وجه الأرض تغيّر ونتن، والسوءة في اللغة: عبارة عن كل شيء مستنكر.

قوله تعالى: {(فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ)؛} الخاسرين، أي صار من المغبونين بالوزر والعقوبة. قال الكلبيّ: (كان قابيل أوّل من عصى الله في الأرض من ولد آدم، وهو أوّل من يساق إلى النّار).

وقال مقاتل: (كان قبل ذلك تستأنس الطّيور والسّباع والوحوش به، فلمّا قتل قابيل نفروا، فلحقت الطّيور بالهواء؛ والوحوش بالبرّيّة؛ والسّباع بالفيافي وشاك الشّجر، وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه واغبرّت الأرض).وقال عبد الله المخزوميّ: (لمّا قتل هابيل رجفت الأرض بما عليها سبعة أيّام).وقال سالم بن أبي الجعد: (مكث آدم عليه السّلام حزينا على قتل ولده هابيل مائة سنة لا يضحك) (٢).

قوله تعالى: {(لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)} أي أرسل الله غرابا يثير التراب على غراب آخر ميت بمنقاره وبرجله، فلما أبصر قابيل الغراب يبحث في الأرض دعا بالويل على نفسه، فقال: {(يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ)} والويل: كلمة تستعمل عند الوقوع في الشدّة والهلكة.

قوله تعالى: {(فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ)} يحتمل أنه ندم ندم توبة عن جميع ما قال وفعل، ويحتمل أنه ندم على ترك مواراة سوأة أخيه، فإن كانت الأولى فالله توّاب


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٩١٧٩ و ٩١٨٠ و ٩١٨١) بروايات عديدة.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٩١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>