للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلام، فاجتووا المدينة وعظمت بطونهم واصفرّت وجوههم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبل الصّدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا ذلك حتّى صحّوا، ثمّ قتلوا الرّعاة واستاقوا الإبل وارتدّوا عن الإسلام.

فصاح الصّائح: يا خيل الله اركبي. فركبوا لا ينتظر فارس فارسا، فأسرعوا في طلبهم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في طلبهم، فجاءوا بهم، فقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمّل أعينهم، وتركهم بالحياة حتّى ماتوا، فأنزل الله هذه الآية، فصارت عامّة في قطّاع الطّرق ناسخة لتسميل العين) (١).

وقال اللّيث بن سعد: (نزلت هذه الآية معاتبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليما لهم عقوبتهم، فقال تعالى: {(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا)} ولم يكن جزاؤهم هذه المثلة الّتي هي السّمل، فقام رسول الله خطيبا ونهى عن المثلة) (٢).

قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ؛} معناه: أن يقتّلوا أو يصلّبوا إلاّ الذين تابوا من قطع الطّريق من قبل أن يقدر عليهم الإمام، {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ؛} لعباده، {رَحِيمٌ} (٣٤)؛بهم بعد التوبة.

روى الشعبيّ: (أنّ حارثة بن زيد خرج محاربا في عهد عليّ رضي الله عنه، فأخاف السّبل وسفك الدّماء وأخذ الأموال، ثمّ جاء تائبا فأتى الحسن بن عليّ فطلب إليه أن يستأمن له عليا كرّم الله وجهه فأبى، فأتى عبد الله بن جعفر فأبى عليه، فأتى سعد بن قيس الهمدانيّ فقبله وضمّه إليه، فلمّا صلّى عليّ رضي الله عنه صلاة الغداة، أتى سعد بن قيس الهمدانيّ وقال: يا أمير المؤمنين؛ ما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله؟ قال:

أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف. قال: ما تقول فيمن تاب من قبل أن تقدر عليه؟ قال: أقول كما قال الله تعالى: {(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ}


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٩٢١٩).وأصله في الصحيحين من حديث أنس بن مالك، وعند الطبري في النص (٩٢١٨).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٩٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>