للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قرأ الكسائيّ: «(والعين)» رفعا إلى آخره، وكذلك قوله «(والجروح)» رفعه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر، ونصبوا سائر الحروف قبله، قالوا: لأنّ لها نظائر في القرآن؛ منها قوله تعالى: {أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (١) و {إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (٢) و {إِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسّاعَةُ} (٣).وقرأ نافع وعاصم وحمزة وخلف كلها بالنصب.

قوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} (٤٥)؛أي من عفا عن مظلمة في الدّنيا، فهو كفّارة للجراح لا يؤاخذ به في الآخرة، كما أنّ القصاص كفّارة له، وأما أجر العافي فعلى الله، قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ} (٤) وهذا قول إبراهيم ومجاهد وزيد بن أسلم، ورواية عن ابن عباس.

وقيل: معناه: فهو كفّارة للمجروح ووليّ القتيل، وهو قول ابن عمر والحسن والشعبي وقتادة وجابر بن زيد. ودليل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: [من تصدّق من جسده بشيء كفّر الله بقدره من ذنوبه] (٥) فمن عفا كان عفوه كفارة لذنوبه يعفو عنه الله ما أسلف من ذنوبه، وأما الكافر إذا عفا لا يكون عفوه كفارة له مع إقامته على الكفر. وقال صلى الله عليه وسلم: [من أصيب بشيء من جسده فتركه لله كان كفّارة له] (٦).

وروي: أنّ رجلا طعن رجلا على عهد معاوية رضي الله عنه؛ فأعطوه ديتين على أن يرضى، فلم يرض، فحدّث رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من تصدّق


(١) التوبة ٣/.
(٢) الأعراف ١٢٨/.
(٣) الجاثية ٣٢/.
(٤) الشورى ٤٠/.
(٥) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (٩٤٣٦) عن عبادة بن الصامت. وفي الدر المنثور: ج ٣ ص ٩٣؛ قال السيوطي: «أخرجه أحمد والنسائي بلفظ قريب منه».وفي مجمع الزوائد: ج ٦ ص ٣٠٣؛قال الهيثمي: «رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني في الكبير، ورجال المسند رجال الصحيح».
(٦) في الدر المنثور: ج ٣ ص ٩٣؛ قال السيوطي: «أخرجه أحمد عن رجل من الصحابة».

<<  <  ج: ص:  >  >>