للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ،} بطل ما أظهروه من الإيمان والأعمال الصالحة، {فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ} (٥٣)؛فصاروا مغبونين في الوزر والعقوبة.

قوله سبحانه وتعالى: {(جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)} تفسير للقسم بالله تعالى، فإنّ من يحلف بالله فقد بذل جهد يمينه، إذ لا يمين أعظم من اليمين بالله، ولا حرمة أكبر من حرمة الله. قال ابن عبّاس رضي الله عنه: (فجاء الله بالفتح ونصر الرّسول صلى الله عليه وسلم، وجاء أمر الله من عنده بإجلاء بني النضير، وقتل مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم) (١)،فندم المنافقون حين ظهر نفاقهم، وقال المؤمنون: {(أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)}.

قوله سبحانه وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ؛} قرأ أهل المدينة والشام «(يرتدد)» بدالين، وفي الآية تهديد لمن لا ثبات له على الإيمان.

قال ابن عبّاس: (هم أسد وغطفان وأناس من كندة، ارتدّوا بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم في عهد أبي بكر رضي الله عنه).

وكان من المرتدّين فرقة يقال لهم بنو حنيفة باليمامة، ورئيسهم مسيلمة الكذاب وكان يدّعي النّبوّة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر، وزعم أنّه أشرك مع محمّد صلى الله عليه وسلم في النّبوّة، وكتب إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمّد رسول الله؛ أمّا بعد: فإنّ الأرض نصفها لي ونصفها لك! وبعث بذلك رجلين من أصحابه نهشلا والحكم بن الطّفيل، وكانا من سادات اليمامة، فقال لهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم: [أتشهدان أنّ مسيلمة رسول الله؟] قالا: نعم، فقال: [لولا أنّ الرّسل لا تقتل لضربت أعناقكما]،ثمّ أجاب: [من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب؛ أمّا بعد: فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتّقين] (٢).

ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفّي، وجعل مسيلمة يغلو أمره باليمامة يوما بعد يوم، فبعث أبو بكر رضي الله عنه خالد بن الوليد في جيش عظيم حتى أهلكه الله على يدي


(١) الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ٢١٨.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند: ج ١ ص ٣٩٦ و ٤٠٤، عن عبد الله بن مسعود. وفي مجمع الزوائد: ج ٥ ص ٣١٤:كتاب الجهاد: باب النهي عن قتل الرسل؛ قال الهيثمي: «رواه أبو داود باختصار، وأحمد والبزار وأبو يعلى مطولا، وإسنادهم حسن».

<<  <  ج: ص:  >  >>