للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما قوله سبحانه وتعالى: {(وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ)،} قال بعضهم: أراد بالأكثر كلّهم، وأكثر الشيء يقوم مقام الكلّ. وقيل: إنما ذكر لفظ الأكثر؛ لأن الآية خرجت مخرج التلطّف للدعاء إلى الإيمان، وكان في سابق علم الله سبحانه وتعالى أنّ فيهم من يسلم، وكان في القوم من يطعن بنفسه في دين الإسلام، وإن كان سكت عن طعن الطاعنين.

قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ؛} وذلك أنّ اليهود قالوا للمسلمين: ما نعلم أهل دين أقلّ حظا منكم في الدّنيا، ونرجو أن تكونوا في الآخرة! فأنزل الله هذه الآية؛ أي قل يا محمّد لهؤلاء اليهود: هل أخبركم بسوء من الذي قلتم جزاء، {مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ؛} أي أبعده عن رحمته، وسخط عليه وهم اليهود، فيكون موضع {(مَنْ لَعَنَهُ)} رفعا على معنى (هو) ويجوز أن يكون خفضا بدلا من (شرّ) على معنى: هل أنبّئكم بمن لعنه الله.

قوله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ؛} أي مسخ بعضهم قردة في زمن داود عليه السّلام بدعائه عليهم حين اعتدوا في السّبت واستحلّوه، ومسخ بعضهم خنازير في زمن عيسى عليه السّلام بعد أكلهم من المائدة حين كفروا بعد ما رأوا الآيات البيّنة. وروي: أنه لمّا نزلت هذه الآية قال المسلمون لليهود: (يا إخوة القردة والخنازير) فنكّسوا رءوسهم وفضحهم الله تعالى.

قوله سبحانه وتعالى: {وَعَبَدَ الطّاغُوتَ؛} فيه عشر قراءات، قرأ العامة «(وعبد الطّاغوت)» بفتح العين والباء والدال على الفعل؛ ومعناها: وجعل منهم من عبد الطاغوت؛ أي بالغ في طاعة الشّيطان والكهّان ورؤساء المعصية. وقرأ ابن مسعود: «(وعبدوا الطّاغوت)» أي ومن عبد الطاغوت، وقرأ يحيى بن وثّاب وحمزة:

بفتح العين وضمّ الباء وكسر التاء من الطاغوت، وهو لغة في عبد، مثل سبع وسبع (١).وقرأ أبو جعفر الفرّاء: «(وعبد الطّاغوت)» على الفعل المجهول (٢)،وقرأ الحسن: «(وعبد الطّاغوت)» على الواحد.


(١) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ٢٣٥؛ قال القرطبي: «جعله اسما على فعل كعضد، فهو بناء للمبالغة والكثرة، كيقظ وندس وحذر».وفي جامع البيان: النص (٩٥٣٤)، أسنده الطبري عن حمزة عن الأعمش عن يحيى بن وثّاب أنه قرأ: (وعبد الطّاغوت)، يقول: «وكان حمزة كذلك يقرؤها»
(٢) ذكره الطبري في جامع البيان: النص (٩٥٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>