قوله تعالى: {(وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)} أي اختلطنا وشبّهنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى شكّوا؛ فلا يدرون أملك هو أم رجل؟ وهذا لأنّهم أنكروا نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم بعد ما عرفوه بالصدق والأمانة، ثم لبسوا على أنفسهم وعلى ضعفتهم؛ فقالوا: إنّما هو بشر، فلو نزل الملك على صورة رجل للبسوا على أنفسهم أيضا فلم يقبلوا منه وقالوا: إنه في مثل صورتنا!
قوله عزّ وجلّ:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ؛} أي استهزأت الأمم الماضية بأنبيائهم كما استهزأ بك يا محمّد قومك، {فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}(١٠)؛أي نزل بهم وحلّ بالمستهزئين من الكفّار عقوبة استهزائهم بالكتاب والرسول عليه الصّلاة والسّلام.
وقال الضّحاك:(كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالسا في المسجد الحرام مع جماعة من المستضعفين: بلال وصهيب وعمّار وغيرهم، فمرّ بهم أبو جهل في ملإ من قريش؛ فقال: تزعم يا محمّد أنّ هؤلاء ملوك الجنّة. فأنزل الله تعالى هذه الآية ليثبت فؤاده ويصبر على أذى المشركين).أي إن سخر أهل مكّة من أصحابك، فقد فعل ذلك الجهلة برسلهم قبلك.
والحيق في اللّغة: ما اشتمل على الإنسان من مكروه فعله، ومنه قوله تعالى:
{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ}(١).وأما الاستهزاء فهو إيهام التّفخيم بمعنى التّحقير.
قوله تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}(١١)؛أي قل لهم يا محمّد سافروا في الأرض، ثم انظروا بأبصاركم وتأمّلوا بقلوبكم كيف صار إجرام المكذّبين بالرّسل والكتب مثل عاد وثمود وغيرهم، الذين عذبهم الله تعالى بعذاب الاستئصال، وكانت آثار ديارهم باقية قريبة من مكّة. وقال الحسن:(معنى {(سِيرُوا فِي الْأَرْضِ)} أي اقرءوا القرآن وتفكّروا فيه، فإنّ من قرأ القرآن وتفكّر فيه فكأنّه سار في الأرض).