للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عزّ وجلّ: {قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ؛} أي قل يا محمّد لكفار مكّة: لمن ملك ما في السّماوات والأرض، فإن أجابوك وقالوا: لله، وإلا فقل لهم ((لله)) (١) إذ هم يعلمون ويقرّون أن الأصنام لا تملك خلق شيء، وإنّما الله يملك ذلك.

وقوله تعالى: {(كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)} أي أوجب على نفسه الرّحمة فضلا وكرما. أو قيل: معناه: أوجب على نفسه الثواب لمن أطاعه؛ وقيل: أوجب على نفسه الرحمة بإمهال من عصاه؛ ليستدرك ذلك بالتوبة ولم يعاجله بالعقوبة، وهذا استعطاف من الله عزّ وجلّ للمتولّين عنه إلى الإقبال، وإخبار بأنه رحيم بعباده لا يعجّل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [لمّا خلق الله تعالى الخلق؛ كتب فوق العرش: إنّ رحمتي سبقت غضبي] (٢).وقال عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار: (ما أوّل شيء ابتدأ الله به؟ فقال كعب: كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد؛ كتابه الزّبرجد واللّؤلؤ والياقوت: إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا، سبقت رحمتي غضبي) (٣).

وفي الخبر: أنّ لله تعالى مائة رحمة كلّها ملئ السّماوات والأرض، فأهبط الله تعالى منها رحمة واحدة لأهل الدّنيا، فهم بها يتراحمون؛ وبها يتعاطفون؛ وبها يتراحم الإنس والجنّ وطير السّماء وحيتان الماء؛ وما بين الهواء ودواب الأرض وهو امّها، وأخّر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة.

قوله تعالى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ؛} بدل من الرحمة وتفسير لها، فكأنّه قال: ليجمعنّ بين المؤمنين والكفار، بين المؤمن والكافر في الرّزق والنّعمة والدّولة إلى يوم القيامة، لا شكّ فيه عند المؤمنين أنه حقّ كائن، ثم تكون العاقبة بدل البعث للمؤمنين.


(١) ((لله)) سقطت من المخطوط.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب بدء الخلق: الحديث (٣١٩٤).ومسلم في الصحيح: كتاب التوبة: باب في سعة رحمة الله: الحديث (٢٧٥١/ ١٤) واللفظ له.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (١٠٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>