للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ؛} ابتدأ كلامه؛ وجوابه {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (١٢)؛لأنّ (الّذين) في موضع شرط؛ وتقدير الآية: الذين غبنوا (١) أنفسهم وأهليهم ومنازلهم وخدمهم في الجنّة في سابق علم الله لا يؤمنون؛ أي لا يصدّقون بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن.

وذهب بعضهم إلى أنّ قوله تعالى: {(لَيَجْمَعَنَّكُمْ)} كلام مبتدأ على وجه القسم، و {(الَّذِينَ)} بدل من الكاف والميم في {(لَيَجْمَعَنَّكُمْ)،} كأنه قال: ليجمعنّ هؤلاء المشركين {(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)} إلى هذا اليوم الذي يجحدونه ويكفرونه. ويحتمل أن يكون قوله: {(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)} راجعا إلى المكذّبين، كأنه قال: عاقبة المكذبين {(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)}.

قوله عزّ وجلّ: {*وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (١٣) قال ابن عبّاس: (وذلك أنّ كفّار مكّة أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا محمّد؛ قد علمنا ما يحملك على ما تدعونا إليه إلاّ الحاجة، فنحن نجعل لك من أموالنا حتّى تكون أغنانا رجلا، وترجع عمّا أنت عليه. فأنزل الله تعالى هذه الآية) (٢).

ومعناه: ولله ملك ما استقرّ {(فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)} من الخلائق كلّهم، وهذا اللفظ يشتمل على جميع المخلوقات؛ لأنّ من الحيوانات ما يتصرّف بالنهار ويسكن بالليل، ومنها ما يتصرف بالليل ويسكن بالنّهار. وقال محمد بن جرير: (كلّ ما طلعت عليه الشّمس وغربت فهو من ساكن اللّيل والنّهار، والمراد: جميع ما في الأرض؛ لأنّه لا شيء من خلق الله تعالى إلاّ وهو ساكن في اللّيل والنّهار) (٣).

وقال أهل المعاني: في الآية إضمار تقديره: وله ما سكن وتحرّك في الليل والنهار. فإن قيل: فلم قال: {(وَلَهُ ما سَكَنَ)} ولم يقل: وله ما تحرّك؟ قيل: لأنّ


(١) في المخطوط: (عبوا) وهو تصحيف، والصحيح كما أثبتناه؛ لأن أصل الخسار الغبن، يقال: خسر الرجل في البيع: إذا غبن.
(٢) السيرة النبوية لابن هشام: قريش وتفسير سورة الكهف: ج ١ ص ٣١٦،شطر من حديث طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) ينظر: جامع البيان: تفسير الآية: مج ٥ ج ٧ ص ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>