ومن أسس النصر في حروب الإسلام: استغفار الله في المعركة والإكثار من ذكره، يقينا أن النصر من عنده وحده، فتخلص له النفوس وتتجه إليه متوكلة صابرة، وقد أمر الله بالذكر فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[٧٠] وعلم المؤمنين الدعاء عند لقاء العدو: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[٧١]
وينبني على هذا أن تدابير المؤمنين في الحذر والاستعداد والتخطيط لا غناء فيها إلا باليقين المطلق أن لا نصر إلا بالله، ولا تنفع من غيره كثرة ولا عدة وكانت موقعة حنين درسا بليغا للمسلمين إذ قال قائل منهم:"لن نغلب اليوم من قلة"[٧٢] ، فطارت الكثرة شعاعا عند الصدمة الأولى فانهزمت وجاء الله بالظفر على يد القلة المؤمنة التي لبت نداء الرسول صلى الله عليه وسلم، وصبرت. قال تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}[٧٣] .
لذلك كانت مسألة النصر في حياة المسلمين غاية في الحساسية [٧٤] ، وإن مثلهم مثل جهاز دقيق الصنع عجيب التركيب رهف الآلية لا يصيب الخلل جزءا ضئيلا من أجزائه إلا اضطرب سيره.