ودخل على النجاشي من الغد، وقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، فأرسلْ إليهم فسلْهم عما يقولون فيه.
وأرسل النجاشي إلى المسلمين، وسألهم عما يقولون في عيسى بن مريم عليه السلام، ورد عليه جعفر - رضي الله عنه - فقال: نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبد الله ورسوله وروح منه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فأخذ النجاشي عودا من الأرض، وقال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود.
والتفت إلى جعفر وأصحابه وقال: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - أي آمنون - من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبرا من ذهب - أي جبلا - وأني آذيت أحدا منكم.
والتفت مرة أخرى إلى عمرو وصاحبه، وقال لحاشيته: ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه، فخرجا من عنده مقبوحين [٥٣] .
ونجح جعفر الداعية فقد بلغ الدعوة إلى النجاشي نفسه، وأقنعه بالحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأسلم ومات مسلما [٥٤] .
وباء رسولا قريش بخيبة أمل لم يتوقعها أحد، ولم تنفع عبقرية عمرو ولا دهاؤه في بلوغ الأمل الذي علقته قريش عليهما، وسعد المسلمون بجوار النجاشي، وبقوا عنده حتى عادوا يوم فتح خيبر يتزعمهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد سر الرسول – صلى الله عليه وسلم - بقدومه، وقبله بين عينيه، والتزمه وقال: ما أدري بأيهما أسر، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ [٥٥] .
باستعراض هذه النماذج من حياة الدعاة وطرائقهم في تبليغ الدعوة نفهم الأمور الآتية:
١- إن على الدعاة أن يتفقهوا في الدين، وأن يتعلموا الأمور التي سيبلغونها لغيرهم، لأن الجهل يترتب عليه أضرار تعرض الدعوة لهجوم أعدائها عليها، وتمكنهم من النيل منها وتشويهها.