إذا تأملنا ما كتبه العلماء حول المناسبات أمكننا أن نميز فيه اتجاهات أربعة، وسنعرض أولاً آراء هذه الاتجاهات ثم مناقشتها ونرجح ما نراه أولى وأقرب إلى الصواب.
الإتجاه الأول:
يقول بعدم المناسبة أصلاً ونمثل له بالشوكاني حيث تعرض لهذا الموضوع في تفسيره المسمى (فتح القدير) ص ٧٢ من المجلد الأول وأنحى باللائمة على المفسرين الذين يقولون بالمناسبة، يقول الشوكاني: "اعلم أن كثيراً من المفسرين جاءوا بعلم متكلف وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف، فجاءوا بتكلفات وتعسفات يبرأ منها الإنصاف، ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلاً عن كلام الرب سبحانه وحتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف، كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه حسبما ذكر في خطبته وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال مفرقاً ينزل حسب الحوادث المقتضية لنزوله منذ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أن قبضه الله عز وجل، وكل عاقل فضلاً عن عالم لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية نزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها بل وقد تكون متناقضة كتحريم أمر كان حلالاً وتحليل أمر كان حراماً، وإثبات أمر لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله.