لا يبعد عن الصواب من يرى "المنافقين"جرثومة يهود، وإن أفرد الله في صدر سورة البقرة الحديث عن المنافقين بعد حديثه عن الذين كفروا. والإمام القرطبي يقول في قوله تعالى:
"وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود، أي وإذا قيل لهم - يعني اليهود - آمنوا كما آمن الناس: عبد الله بن سلام وأصحابه، قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء يعني الجهال والخرقاء"[٢] . .
إن اليهود يجامعون المنافقين بما استوجبوه بكفرهم في عاجل أمرهم وآجله، ويذهبون بعد كل خسيسة ونقيضة تطالع القارئ لآيات سورة البقرة تحدثت عن بني إسرائيل باعتبارهم أصل اليهود والنصارى، وكأننا نرى تلكم الآيات تمسك بمخانقهم، وتكشف عن خبيئتهم وتدعهم تفسيراً حياً، وواقعاً بشرياً لما ترويه إلى أبد الدهر من صفاتهم وتصرفاتهم.
فإذا انتهينا من كلام الله عن المنافقين، دورنا بخشوع ويقين على مشاهد وجود الله، وشواهد نسبة القرآن إلى من أنزله معجزة خالدة تالدة على مصطفاه، وفي ذلك ما يسكت المتكلمين بالإنكار والمحاراة في هذه الحقائق المجلوة البينة، وإن كان الذي يعلم من خلق قد قضى فيهم قضاؤه بقوله:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا..} , قال الإمام القرطبي:"وهذا من الغيوب التي يضربها القرآن قبل وقوعها"[٣] .