للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسالة إلى بيروت

لفضيلة الشيخ محمد مصطفى المجذوب

المدرس في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة

ماذا أسمع؟ .. ماذا يقول هذا المذيع المشئوم! ...

النار تلتهم أحياء بيروت.. لقد عجزت فرق الإطفاء عن تحديد مواطن النيران، فوقفتْ جامدة حائرة ...

مستشفيات بيروت، التي كانت حتى أمس القريب، مقصد المرضى والزمنى، يزحفون إليها من كل صوب طلبا للبرء.. تعلن اليوم في هلع رهيب أن لا دواء لديَّ ولا غذاء.. ولا موضع لجريح جديد..

إنه - المذيع - يستنفر الناس الذين ينتظرون مناياهم بالرصاص الطائش.. والصواريخ العمياء ... والقذائف الشيطانية.. يستصرخهم ليخرجوا من جحورهم إلى ما بقي من الشوارع، كي يرفعوا عقائرهم بالاحتجاج على العابثين بأرواح الناس.. المفجّرين سدود الموت لتجرف الآلاف بعد الآلاف من الضعفاء والمساكين والجائعين ...

أحقا حدث كل هذا؟ ... أم أنه كابوس ثقيل يسد علىّ المسالك، فلا أجد سبيلا للتخلص من إيحائه الفاجع.. وهوله الرهيب! ...

من يصدق هذه الأنباء التي أسمع؟

من يصدق يا بيروت، يا من يحلو للكثيرين أن يسموك عروس التوسط، أن شوامخك الغارقة في سكرة الخيلاء ... ومقاصفك الغائصة في بحار الأهواء، وملاهيك التي حشدت كلَّ مصايد الإغواء، ومتاجرك التي استحالت معارض لأفانين الأزياء، ومصانعك التي تقرع بأزيزها الفضاء صباح مساء.

من يصدق يا بيروت أن هذا كله قد صار ركاما أو يكاد ... وأن المتخمين الذين طالما استطالوا بهذه المتارف على المحرومين، قد ساووا في جحيم هذه الكوارث بني غبراء، فعادوا كما خُلقوا لا يملكون نقيرا ولا قطميرا ...

يزعم مذيعو السوء أنها الأحقاد الدينية تترجم عن نفسها بهذه المجازر الطائفية بين النصرانية والإسلام ...