يقول سبحانه منبهاً في هذه الآية على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات وهو يخاطب الجاحدين لألوهيته العابدين معه غيره.
ألم يروا أن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً متصلاً بعضها ببعض متلاحقاً متراكماً بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففصل هذه من هذه فجعل السماوات سبعاً وجعل من الأرض مثلهن وفصل بين السماء الدنيا بالهواء فأمطرت السماء وأنبتت الأرض.
ثم يقول سبحانه:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} فبواسطة هذا الماء وبسببه جعلنا كل شيء حي، جماداً كان أو نباتاً حيواناً أو إنساناً إذ لا حياة إطلاقاً بغير ماء ولذا فإن الكواكب التي تخلو منه كالقمر والزهرة لا يصلحان للحياة لانعدام الماء فيها.
وقد أشار سبحانه وتعالى هذه الإشارة الدقيقة بعد ذكر السماوات والأرض ليدل على انعدام الماء في كل السماوات أو بعضها وإذا ثبت في بعضها حياة: فإن وجود الماء في هذا البعض محقق أو لا حياة بدونه وكما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء فقال صلى الله عليه وسلم:"كل شيء خلق من ماء" الحديث.
ثم يختم سبحانه الآية بقوله {أَفَلا يُؤْمِنُونَ} أي أفلا يصدقون بما يشاهدون وإن ذلك لم يكن بنفسه بل لمكون كونه، ومدبر وحده ولا يجوز أن يكون ذلك الكون محدثا.