لفضيلة الشيخ محمد المجذوب: المدرس بكلية الدعوة بالجامعة
بحث قدمته الجامعة الإسلامية إلى مؤتمر رسالة الجامعة بمكة المكرمة
في رأس الحقائق البديهية أن عبادة الله هي المهمة الأولى للثقلين الجن والإنس، ويؤكد ذلك قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فهاهنا قصر الخلق على صفة العبادة وحدها، فكأنه لا غرض من وجود الجن والإنس سوى عبادة الخالق وحده، وبذلك يصبح مفهوم العبادة أوسع مدى من الشعائر الخاصة كالصلاة والصوم والزكاة والحج وما إليها مما يدخل بداهة في هذا النطاق، حتى يتناول كل تحرك يأتيه الإنسان في حياته، فلا يستثني من ذلك طعامه وشرابه ومختلف تصرفاته، إذ المفروض أن هذا الإنسان على وعي تام لسلطان الخالق ومراده من خلقه، فلا يأتي شيئاً أو يذر شيئاً إلا وفق الأفضل والأرضىله.. ومتى استوفى الإنسان هذه الصفة كان عبداً ربانياً، وكان كل تحرك له عبادةً لله خالصة.
ولقد تكاملت هذه الخصائص العليا في شخص محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رسالته الخاتمة، فكانت الأرض كلها له مسجدا وطهورا، وكان كل عمله من ثم تحقيقاً لفضيلة العبودية الخالصة لله القائم على كل نفس بما كسبت..
والإسلام متتام الأجزاء، أول أركانه بعد شهادة الحق الصلاة، التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمود الدين، وكما تنهض على العمود عوالي البناء، هكذا كانت الصلاة الصحيحة منطلق البواعث المحركة لطاقة الفرد في طريق الحياة السعيدة، تسكب روحها في كل تصرفاته.. ومن هنا كان للمسجد أثره العظيم في تكوين المجتمع الإسلامي الأمثل، ولهذا رأينا أول عمل يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد استقراره في المدينة هو تأسيس مسجد قباء، ثم إنشاء مسجده المبارك، الذي شارك بنفسه في بنائه مع صحابته الأكرمين.