وقد جرت سنة الله تعالى أنه لا يبعث رسله إلا إذا استفحل الضلال، واستشرى الشر وتفاقم الفساد واحلولك ليل الناس فيرسل الله إليهم من ينير لهم السبل ويهديهم إلى الجادة المستقيمة.
والطريق أمام رسل الله، ودعاة الإصلاح ليس معبداً مفروشاً بالورود بل هو مليء بالأشواك محفوف بالمكاره ومن الواجب عليهم وعلى كل داعية أن يوطنوا أنفسهم على الصبر والجهاد, وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان مثلاً أعلى ونموذجاً فريداً، وقدوة حسنة لكل مصلح يأتي من بعده، لقد جاهد أهل الضلال والفجور بالكلمة الطيبة ثم بالقوة المرهبة.
قدم إليهم قارورة الدواء فعافوها، وردوا عليه أسوأ رد، وظل يتودد إليهم ويعرض الدواء عليهم، وظلوا ينفرون منه، ويصدون الناس عنه، ويكيدون له، وتذرع بالصبر، وتجمل بالحلم، وبقي في مكة يجاهد هم بالقول الكريم والأسلوب الحكيم حتى دان له بعضهم، وانقاد له قليل منهم، ونال هؤلاء ما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظلم والاضطهاد، وصبروا واحتسبوا أجرهم عند الله، ورغبوا أن ينالوا رضاه، وفتح الله لهم باب الخلاص، ونافذة الأمل فهاجروا إلى المدينة ولحق بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن شرب في مكة كأس الأذى حتى الثمالة.
وفي المدينة لم يهدأ عليه الصلاة والسلام، ولم يركن إلى الراحة بل ظل يحمل راية الجهاد، ويرفع علمه واتخذ جهاده لوناً جديداً، ومنهجاً أخاذاً، فقد بدأ يجاهد الكفار بالقوة المرهبة بعد أن كان في مكة يكتفي في جهادهم بالكلمة الطيبة، وقديما قيل:"لا يفل الحديد إلا الحديد".