في حياة الرسول صلى الله عديه وسلم أقر مبدأ الاجتهاد الذي تندرج تحته الأصول الاجتهادية المتعددة، هذا المبدأ أقره القرآن وأقرته السنة ثم تبعهما بعد ذلك إجماع الصحابة رضوان الله عنهم في إقراره. فأمر الاجتهاد لم يكن أمراً مستحدثاً ابتدعته عقول الفقهاء، وإن كانوا قد بينوه وفصّلوا قواعده ومهدوا طريقه ودونوه في الكتب كعلم له معالمه وحدوده.
فالرسالة السماوية التي اشتمل عليها القرآن والسنة، والتي هي لصلاح الناس كافَّة كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(سبأ:٢٨)
هذه الرسالة لابد وأن تشتمل على المبادئ والأسس التي عليها صلاح الناس في كل الأزمنة وكل الأمكنة.
وبما أن أحداث الحياة كثيرة ومتنوعة ومتجددة فلا بد من وضع مبادئ تستوعبها. فالنص على جزئيات حياة الإنسان في كل الأزمنة والأمكنة، في كتاب الله وسنة رسوله - وإن كان ممكناً من جهة الشارع- فإنه يصعب بل يستحيل استيعابه على الناس إن نص الشارع عليه، فالأجيال الحاضرة لا تستطيع استيعاب ما يستجد في مقبل الأيام مما لا يعنيها في حياتها لأنه لم يظهر في زمانها، كما وأن الأجيال التي مضت ربما يصعب عليها استيعاب كثير مما استجد في الأزمان التي تلتها. ولا يخفى أن الفائدة تقل إن لم تنعدم في اشتغال الناس بأمور وتفصيلات لا تعنيهم ولا تفيدهم، وكذلك لا تخفى صعوبة تكليف الناس بإدراك تفصيلات حالات أفراد البشر وأسمائهم وما يتعلق بتصرفاتهم كلها من أحكام على سبيل التفصيل لا على سبيل الإجمال، إذا شاء الله أن ينص عليها جميعها.