بقلم الدكتور علي حسن العماري: المدرس بكلية الشريعة بالجامعة
من الحقائق الثابتة المقررة التي لا سبيل إلى الشك فيها أن القرآن الكريم كتاب عربي مبين، وأن ألفاظه هي الألفاظ التي كان يستعملها العرب في نثرهم وشعرهم، _ وإن كان يمتاز بالدقة البالغة في اختيار اللفظ لموقعه الذي أريد له _ وأن تراكيب القرآن هي تراكيبهم، وأن الطرق التي سلكها في أداء أغراضه ومعانيه هي طرقهم، ولكنه يمتاز _ أيضا _ ويتفرد بسمو التراكيب، وعلو الطريقة، والروعة المعجزة في اختيار هذه وتلك.
غير أن القرآن الكريم خالف نهج العرب وطريقتهم في شيء واحد، هو ذلك البناء الكلي للآية، وللآيات، وللسور، فهو متميز ببناء فريد لم يكن قبله، ولم يأت بعده ما يماثله.
وقد أدرك فصحاء العرب ذلك منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن الكريم، فمما روي من ذلك ما جاء على لسان الوليد بن المغيرة حين سمع من النبي _ صلى الله عليه وسلم _ آيات من القرآن فكأنه رقّ لها، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم, إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوكه لئلا تأتي محمدا لتعرض لما قاله. قال الوليد: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم أحد أعلم بالشعر مني، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من ذلك [١] .
وفي رواية أخرى أن الوليد جاء يوماً إلى قريش، فقال: إن الناس يجتمعون غداً في الموسم، وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس، فهم سائلوكم عنه فمادا تردون عليهم؟ فقالوا: مجنون يخنق. فقال: يأتونه فيكلمونه، فيجدونه صحيحا فصيحا عادلا فيكذبونكم. لقد ولد بين أظهركم لم يغب عنكم ليلة واحدة ولا يوما فهل رأيتموه يخنق قط؟