إن تحولا هائلا قد وقع في الأرض بنزول القرآن صارت معه قافلة الحياة على هدى ونور، ونشطت مع فجره نفوس لبت نداء الله فأحياها وجعل لها نورا تمشي به بين الناس وبقي القرآن للحياة بقاء النور في الكون لا يتوقف مده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولم أر شيئا تفجرت به ينابيع الحكمة وامتدت أنهار المعرفة في غير انقطاع كما تم للقرآن الكريم. لقد شغل الناس جميعا من آمن به ومن أعرض عنه وأثر في هذا وذاك مطاوعة ومكابرة، تأييدا ومعارضة ونجاة وهلاكاً رفعا وخفضا وحربا وسلما وهزيمة ونصرا، وظل القرآن في جميع الأحوال وسيظل عزيزا شامخا أبيا ولو تكسرت من حوله السيوف أو ضعفت النفوس {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .
لقد نزل القرآن وبنزوله طويت الكتب وختمت الرسالات وحفظت للناس أسباب الحياة وصان الله كتابه من التزييف والتبديل ومضى القرآن في الحياة يعلن الرسالة رسالة الأنبياء جميعا كما جاءت من عند الله وتقيم الحجة على الناس جميعا وعلى أهل الكتاب ويدعوهم إلى كلمة سواء ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(الأعراف ١٥٨) .