الحمد لله الذي جعل أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس، أمة جهاد في سبيله، وأمة رحمة وهداية للعالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، النموذج العملي لرسالة الإسلام وعقيدته، جعله الله سبحانه وتعالى شهيدًا على أمته، وجعل أمته شهداء على النَّاس، ورضي الله عن صحابته الطاهرين، ومن قام بهديه إلى يوم الدين وبعد:
فإن المعارك العالمية التي سجلها التاريخ كثيرة، تلك التي تمخضت عنها تغييرات شاملة، ذات نتائج خطيرة، وتبقى معارك الإسلام من أشهرها وأهمها، ذلك لأن المعركة في الإسلام ليست غاية في ذاتها، فهي محصلة لأمور كثيرة، إذا وصلت إلى حدّ معينّ لابد من معركة حربية، ومفهوم الجهاد واضح المعنى وواضح الهدف، هو قتال في سبيل الله، يهدف إلى تبليغ الدعوة، ومدّها، أو تثبيتها والدفاع عنها، فإذا وصلت الأمور حاجزاً لا مجال لاختراقه بوسيلة أخرى كانت المعركة، ولابد مِن الصبرِ عليها، ومن هنا فإن معارك الإسلام تخدم الدعوة في الدرجة الأولى امتدادا أو دفاعًا أو تثبيتًا.
ومنذ معركة بدر الفاصلة –الفرقان- التي قادها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمون يحاولون الوصول في معاركهم إلى مستواها في أهدافهِا ومعانيها، وتنظيمها، ونتائجها. فكانت معركة خيبر في عهده صلى الله عليه وسلم، التي وضعت حداً نهائياَ لتسلط اليهود في بلاد العرب، ثم كانت اليرموك التي قررت مصير بلاد الشام ومصير الإمبراطورية الرومانية كله، والقادسية التي قررت مصير العراق وبلاد فارس وإمبراطورية الفرس.