في طريقنا إلى الفلبين كان لابد لنا من الهبوط في بومباي لتغير الطائرة، وكان علينا أن نقضي معظم الليل في ردهة المطار بانتظار موعد الطائرة التي ستقلنا إلى مدراس.. وبينما أنا أغالب إغفاءة خفيفة أخذ سمعي دوي بعيد ترافقه ضجة موزونة ثم ما زال يقترب شيئاً فشيئاً حتى انجلى لنا عن موكب يضم قرابة العشرين رجلاً، كلهم من العرق الأوربي في الأبيض البشرة، الأزرق العيون، الفارع الهيكل. كان أحدهم حدثاً لا يتجاوز الخامسة عشرة، وبينهم واحد في سحنة الهنود.
وقد استرعى انتباهي من هؤلاء أزياؤهم الغريبة، فهي عبارة عن سراويلات فصلت على الطريقة الباكستانية، وفوقها قمص تنسدل إلى الركب. وكانت رؤوسهم حليقة كلها. إلا امتداداً كذيل الثعلب، يبدأ من وسط الرأس ثم يتدلى إلى مؤخرة الرقبة.
كان بعض هؤلاء يحمل طبولاً على شكل اسطواني، ينتهي طرفاه بفتحتين ضيقتين ألصقت بهما قطعتان من الجلد عليهما يضرب حاملوها..
وينطلق الجميع في أناشيد محفوظة يكررونها وهم يترنحون في انتظام، وكلما انتهوا إلى فقرة منها معينة قفزوا معاً إلى الأعلى، تم يعودون إلى اهتزازاتهم الأولى..
وهكذا جعلوا يبدئون ويعيدون حتى نال منهم الإرهاق، وجعلت أصواتهم تخفت من التعب.. فإذا مما استعادوا بعض قدرتهم أعادوا العمل ضرباً وترنحاً وقفزاً وإنشاداً..