للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثالية والواقعية في الإسلام

لفضيلة الدكتور جمعة علي الخولى

رئيس قسم الدعوة بالجامعة الإسلامية

تفردت الدعوة الإسلامية عن غيرها من شتى الدعوات والأديان الأخرى بخصائص كفلت لها البقاء والدوام.

خصائص أعوزت ديانات سابقة فذهبت معالمها، وتلاشت في الحياة سدى، حتى أصبحت كأمس الذاهب.

أجل. . لقد اجتمع لهذه الدعوة من الخصائص ما لم يجتمع لدين قبلها، ولن يجتمع لنظام بعدها ذلك أن الله اختتم بها رسالاته، وأكمل بها دينه، وأتم بها نعمته على البشر، فلابد أن يكون فيها من عناصر البقاء والحفظ ما يجعلها إلى قيام الساعة.

من هذه الخصائص التي انفردت بها الدعوة الإسلامية (الجمع بين المثالية والواقعية في شكل محكم رائع) .

فما هي المثالية والواقعية؟ وكيف جمع الإسلام بينهما؟

لا نعني بالمثالية أن الإسلام يحلق بتعاليمه في مثالية خيالية لا وجود لها إلا في عالم الأحلام. أو أنه يبني شرائعه وأحكامه في مملكة الخيال حتى إذا اصطدم بالواقع أصبح سراباً.

كلا. . فتلك مثالية خيالية يعرفها دارسو الفلسفة وعيبها أنها بعيدة عن واقع الإنسان وما ركب فيه من غرائز نزعات، وما يعتوره من نقص وقصور، والإسلام دين واقعي أبعد ما يكون عن خيال الفلاسفة وأحلام الحالمين..

وإنما نعني بالمثالية أن الإسلام يحرص على إبلاغ الإنسان أعلى أفق ممكن من المستوى العالي الرفيع، في يسر وراحة وطمأنينة، كالشمس تراها عالية أمام العيون، لكنها تلتقي مع واقع الناس ومع أقل المخلوقات وأضعف الكائنات وأبسطها، تمد الجميع بما لديها من خير وتشمله بالحرارة والنور، وهي محتفظة بسنائها وسموها ومكانتها ومكانها.