ومنهم القاضي مُنْذِر بن سعيد البلوطى، قاضي الجماعة بقُرْطُبة، وكان لا يخاف في الله لومة لائم.
ومن مشهور ما جرى له في ذلك قصته في أيتام أخي نَجْدة، وحدث بها جماعة من أهل العلم والرواية، وهي أن الخليفة الناصر احتاج إلى شراء دار بقرطبة لحظية من نسائه تَكْرُم عليه، فوقع استحسانه على دار كانت لأولاد زكريا أخي نجدة، وكانت بقرب النشارين في الرَّبَض الشرقي منفصلة عن دوره، ويتصل بها حَمام له غلة واسعة، وكان أولاد زكريا أخي نجدة أيتاما في حجر القاضي.
فأرسل الخليفة مَن قَوَّمها له بعدد ما طابت نفسه، وأرسل ناسا أمرهم بمداخلة وصي الأيتام في بيعها عليهم، فذكر أنه لا يجوز إلا بأمر القاضي؛ إذ لم يجز بيع الأصل إلا عن رأيه ومشورته؛ فأرسل الخليفة إلى القاضي منذر في بيع هذه الدار، فقال لرسوله: البيع على الأيتام لا يصح إلا لوجوه منها: الحاجة، ومنها الوَهْي الشديد، ومنها الغبطة [١] ؛ فأما الحاجة فلا حاجة لهؤلاء الأيتام إلى البيع، وأما الوَهْي فليس فيها، وأما الغبطة فهذا مكانها؛ فإن أعطاهم أمير المؤمنين فيها ما تستبين به الغبطة أمرت وصيهم بالبيع، وإلا فلا.