لقد درج في مدارج السالكين إلى الحق، حتى استقر أمره على الإسلام. كان مجوسيا، ثم مسيحيا، ثم مسلما من أكابر المسلمين، وناصرا من أعظم أنصار الإسلام ذلكم هو سلمان الفارسي رضي الله عنه، الصحابي الجليل وصاحب فكرة حفر الخندق حول المدينة يوم غزوة الأحزاب، وكان الخندق سببا في هزيمة المشركين وفشل خطتهم في غزو المدينة.
كان أبوه دهقان قريته (جي) من أعمال أصبهان ببلاد الفرس، وكان هو أحب خلق الله إلى أبيه، وكان أبوه يتمنى أن يشب حفيّاً بالنار عاكفا عليها، حتى يخلفه في وظيفته فكان يحبسه في بيت النار حتى لا يخرج، وحتى يعتادها ويألف الجلوس بجوارها ومناجاتها ولكن طبيعة الفتى أنفت من عبادة النار، وقال في نفسه:"لابد أن تكون هناك عبادة خير من هذه العبادة".
وفي يوم اضطر والده إلى إرساله إلى ضيعته لينوب عنه في بعض شأنه، فمر بكنيسة من كنائس النصارى فسمع أصواتهم وهم يصلون، فدخل عليهم ينظر ما يصنعون، فأعجبته صلاتهم وأحب عبادتهم وقال:"هذا والله خير مما نحن عليه"، فلم يتركهم حتى غربت الشمس، وأهمل ضيعة أبيه فلم يذهب إليها وقال لهم:"أين أجد أصل هذا الدين؟ قالوا: "بالشام".
فلما رجع إلى أبيه سأله أين كان وكيف أهمل ما أرسله من أجله؟ فقال له: "يا أبت مررت بالناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فبقيت عندهم حتى غربت الشمس". فقال له أبوه: "يا بني ليس لك في ذلك خير، دينك ودين آبائك خير منه".
فقال له سلمان: "كلا والله إنه لخير من ديننا"، فخاف عليه أبوه من النصرانية فجعل في رجليه قيدا وحبسه في البيت.