مَلامِحُ النّقد الأدبي وَمقاييسهُ في العصر الجاهِلِيِّ
د. محمد عارف محمود حسين
مدرس بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر
النقد الأدبي ملكة وذوق وفطرة، قبل أن يكون علماً وأصولاً وقواعد، وكما وجد الأديب المنشئ الذي وهب ملكة الإنشاء والإِبداع الأدبي، الذي يستطيع أن يصور في أسلوب مثير ما يجيش به خاطره، وما يَعتمل في فؤاده من أفكار وخواطر وأحاسيس..- كما وجد الأديب المنشئ المبدع، فقد وجد- كذلك- الإنسان الذواقة، المرهف الإحساس، النافذ النظر، الذي يستطيع أن يكشف عما في العمل الأدبي من جمال أو قبح، وأن يصل إلى ما خفي من سماته وشاراته، التي تكسبه المكانة العالية إن كانت سماته وشاراته جميلة، أو التي تنزل به إلى الدرك الأسفل في باب الفن الأدبي، إن كانت قبيحة.
ونخلص من هذا إلى القول بأنه إذا كان العرب قد وهبوا ملكة الإنشاء والإبداع الأدبي، وجادت ملكتهم بروائع الشعر والنثر، فقد وهبوا- كذلك- ملكة النقد والتذوق الأدبي، لما أنشأه المنشئون من شعرائهم، ونخلص- أيضاً- إلى القول بأن النقد الأدبي نشأ مع النتاج الأدبي جنباً إلى جنب، وأن الناقد الأدبي وجد في الوقت الذي وجد فيه الأديب المنتج.
وهذا يعنى أن العرب القدامى قد عرفوا النقد الأدبي وزاولوه، عرفوه فطرة وطبيعة، وزاولوه ذوقاً وإحساساً، وطبقوه على نتاجهم الشعري، ولكنهم لم يعرفوه علماً وفناً، له أصوله وقواعده إذ لم يسموا عملهم هذا نقداً، ولم يصفو هذا الوصف، لأن كلمة (نقد) - مقصوداً بها تمييز جيد الكلام من رديئه- لم تستعمل إلا في القرن الثالث الهجري حيث أضيفت إلى الشعر مرة، وإلى النثر ثانية، والى الكلام مرة ثالثة، وأخذ الناس يقولون: نقد الكلام، وهو من نقدة الشعر ونقاده، وانتقد الشعر على قائله [١] واستعمل الشعراء النقد بهذا المعنى كذلك، فقال بعضهم: