الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آل محمد وصحبه أجمعين صلاة دائمة إلى يوم الدين وبعد: فقد تقدم من تجب طاعته وتتعين إشارته بشرح مسألة المزارعة والكلام عليها لعموم حاجة الناس إليها وذكر ما فيها من الاختلاف وما رجح كل طائفة من الخلاف فانتهيت إلى كريم تلك الإشارة وتحريت الاختصار بحذف الإسناد، وتلخيص العبارة ونبهت على حجة المانع لها والمجيز، وما يظهر ترجيحه عند النظر والتمييز, والله تعالى يعصم في ذلك وفي غيره من الخطأ والزلل ويوفق للإخلاص في القول والنية والعمل, إنه جواد كريم رأف رحيم.
فأقول مستعينا بالله معتصما به: المزارعة: مفاعلة من الزرع، والمخابرة: مفاعلة من الخبار وهي الأرض الليّنة ومنه قيل للأكَّار المخابر هذا هو الأصح، وقيل: المخابرة مأخوذة من معاملة أهل خيبر حين أقرّهم النبي- صلى الله عليه وسلم - عليها وقيل: مأخوذة من الخبرة وهي النصيب قاله الماوردي لأن كل واحد من العامل وصاحب الأرض يأخذ نصيبا من الزرع وهذا فيه نظر، لأنه يلزم منه أن نسمي القراض مخابرة والله أعلم.
واختلف الناس في المزارعة والمخابرة فقال قوم: هما بمعنى واحد وهو دفع الأرض إلى من يزرعها ببعض ما يخرج منها سواء كان البذر من صاحب الأرض أو من العامل والأصح الذي هو ظاهر نص الشافعي- رضي الله عنه- أن معناهما مختلف فالمزارعة إذا كان البذر من صاحب الأرض والمخابرة إذا كان البذر من العامل.
والمزارعة والمخابرة ضربان: ضرب مجمع على بطلانه وفساده, وضرب مختلف في صحته وجوازه.