تعد قضية الحداثة من قضايا الشعر العربي الخطرة، إن لم تكن في عصرنا أخطرها على الإطلاق، فهي قضية تطوره وتغير مفهومه وطبيعته وعناصره الشكلية والموضوعية.
وقد اكتسبت هذه القضية أهميتها الخطيرة في عصرنا من كونها تحولت إلى مسوغ أساسي لتغير أي من مقومات الشعر، ولا أستثني من ذلك كيان الشعر كله. وصارت عند بعض المتنطعين غاية وهدفاً.
لأجلها "يُسْتَشْهد"بعضهم، وفي سبيلها يعاني آخرون المتاعب ويعللون فقرهم في الجمهور، وبسببها يتحمل فريق ثالث لعنات مجتمعه غير مبال بها. فهو -كما يزعم- يؤصل قواعد الحداثة ويرود التطوير.
وللحداثة قامت صراعات كثيرة بين أجيال متوالية في هذا القرن، وما زالت تقوم، تشتد تارة وتهدأ تارة.. وربما تظل كذلك إلى ما شاء الله.
فما الحداثة؟ ولم صارت شغل النقاد والشعراء؟ وهل تستند إلى جذور أصلية في تراثنا الأدبي؟
هذا ما سأجيب عنه في الصفحات التالية..
من الحقائق الثابتة أن ظواهر الحياة البشرية، المادية والفنية، تخضع لتطور دائم عبر الزمن. ونظرة سريعة إلى أية ظاهرة منها في زمنين متباعدين تظهر الفروق الكبيرة بين شكل الظاهرة في الزمن الأول وشكلها في الزمن الثاني، حتى ليصح أن يقال: إن الثابت الوحيد في هذه الظواهر هو التطور.