قسّم علماء الطبقات والتراجم البيئات التي نشأ فيها النحو واشتهرت فيها مقالته إلى ثلاثٍ، وهي: البصرة والكوفة وبغداد، فقالوا تبعاً لذلك: إن النحويين ثلاث فئات: بصريون، وكوفيون، وبغداديون؛وهم من خلطوا المذهبين البصريّ والكوفيّ.
ولم يشيروا إلى بيئة المدينة النحوية، أو نشأة النحو فيها، وانطلاقه منها إلى سائر الأمصار كالبصرة ثم الكوفة ثم بغداد.
ولم يكتفوا بإهمالهم دور المدينة في هذا الشأن فنفى بعضهم عن المدينة أي صلة بالنحو، أو وصفوها بالخلو من علماء ذلك العلم.
يقول أبو الطيب اللغوي بعد حديثه عن البصرة والكوفة:"ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين، فأما مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا نعلم بها إماماً في العربية".
ونقل ذلك عنه جماعة من العلماء، كياقوت الحمويّ والسيوطي ّ.
ويقول ابن يعيش:"لا أدري لأهل المدينة مقالة في النحو".
ونفى الأصمعيّ عن أهل المدينة وعلمائها العلم بالشعر - أيضا، وهو يصف حالهم في زمانه في القرن الثاني بقوله:"أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحّفة أو مصنوعة".
ويذكر الجاحظ أن اللحن في أهل المدينة فاشٍ، وفي عوامهم غالب.
وتدلّ هذه التهم والأحكام - إن صحّت - على ضعف أهل المدينة في العربية، وبعدهم عن الاشتغال بفنونها كالنحو والإعراب والغريب رواية الشعر.