إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخذ الموت - في الشهر الماضي - من بيننا علما من أعلام الإسلام، ورجلا من رجالاته، ظل في الساحة حتى آخر لحظة من حياته: إنه الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله رحمة واسعة.
ووفاء ببعض حقه أكتب هذه الكلمة المتواضعة التي تعرف بهذا الرجل الكبير وتعبر عن عميق مشاعر الحب له، وتبكي حظ المسلمين الذي يفقدون الخلف حتى أصبحنا نخشى أن تخلو الساحة.
ولد محمد أمين في دمشق، وفي ربوعها الخيرة نشأ، وفي كريم أجوائها المتدينة المحافظة درج وشب، وكان الناس يومذاك بين عالم ديني منقطع عن الحياة المعاصرة، ويتبعه العامة، وشاب متفرنج تلقى عليه علوم الغرب بروح مجافية للدين فأضحى لا يبالي بالدين ولا يهتم به. ونشأت ناشئة فاضلة من فتيان دمشق المسلمة تلقت من علوم العصر ما يتلقى أولئك المتفرنجون ولكن لم تنس دينها ولم تنحرف عن الصراط السوي، وبقيت وفية للإسلام وتعاليمه، مقيمة لحدوده وأحكامه، معلنة باعتزاز وإباء استمساكها به وتبنيها له.
كان أولئك الفتية يلتهبون حماسة، ويمتلئون غيرة، فتنادوا للتعاون على الخير والبر والتقوى، واتخذوا لهم من ربى جبل قاسيون مقراً يأوون إليه، فيتداولون الرأي في الذي يجب عليهم أن يعملوا، ويقرأون بعض كتب التراث كإحياء علوم الدين ليتزودوا، ويلتفون حول مجلة الرسالة يطالعون بنشوة وسرور مقالات الرافعي.. وكان فقيدنا محمد أمين المصري واحداً من هؤلاء الشباب.
وانتهت اجتماعاتهم المباركة إلى العمل على إنشاء أول حركة إسلامية حديثة في بلاد الشام.
هكذا بدأت حياة الطالب محمد أمين المصري في مكتب عنبر عملا للإسلام ومواجهة للانحراف، واستعداداً للمضي في المعركة إلى الرمق الأخير.