كتاب بشأن الحصن الذي استجده الفرنج وهدمه السلطان صلاح الدين.
أرسل القاضي الفاضل إلى بغداد رسالة عن هدم هذا الحصن الحصين، وقدم لها مقدمة طويلة تشمل- كالعادة- تمجيداً للخليفة العباسي، والدعاء له، ومما جاء فيها:
"الدولة العباسية الإمامية المستضيئة، يرفع الله منارها، ويعمر قلوب البشر من بشائرها الموجبة لاستبشارها، ويحرز لها من الفتوحات التي تتدارك لها خواطر القنوط، وتمد الرجاء بعد تقلص ظله المبسوط، وتمضي لها من عزائم الأولياء، وتذل بها من أعناق الأعداء، ويظهر من دلائل العنايات بأمرها، ويرسل ملائكة سمائية إلى أرضه لنصرها ويقشع من ظلمات الخطوب برايتها السوداء ويدها البيضاء، ونعمتها الخضراء، وبحور أنعامها الزرقاء، وسيوف انتقامها التي تخرق الآجال برايتها الحمراء [١] .
استدعى السلطان صلاح الدين أخيار البلاد الشامية وعشائرهم، وكتائب من التركمان، وحمل إليهم الأموال وآلات القتال، ومن بينها المنجنيقات وعددها، وسلاليم لمرمى القلاع ومصعدها.
وسار بهذا الجيش الجرار إلى المخاضة في يوم السبت ١٩ ربيع الأول سنة ٥٧٥ هـ – ٢٥ أغسطس ١١٧٩ م.
وهنا يصف القاضي الفاضل الحصن الحصين. فهو مبني على تلال وعرة عالية. وأبراجه مرتفعة متينة، وقد عرض حائطه إلى أن زاد على عشرة أذع، وبني من حجارة صلدة، توعز للحديد بأنه من الصعب هدمه.
وبداخل الحصن ما يزيد على أَلف وخمسمائة رجل، ولديهم الجروخ [٢] الوثيقة، "وقد نصبت عليه مجانيق يروع خاطر الجسارة منظرها، وتلتهم الحصون فكيف الخيام حجرها؟، ويسري إلى الأجساد خبرها، وحفر له خندق أحاط بالمدينة سرادقه، وفتحت أبوابها ثقة بما صانته مغالقه، وقد بنوه حتى لا تنهار حروفه، ووسعت حتى لا تنجار جروفه [٣] .